في خطوة فريدة من نوعها، وخلال أسبوعين، ستكون دولة السلفادور أول دولة تعتمد ”بتكوين“ كعملة وطنية رسمية في البلاد، وسط قلق حول مستقبل الدولة الفقيرة، وتساؤلات حول ما إذا كانت هذه المجازفة ستنقذ الاقتصاد أم تدمره.
وسلطت صحيفة ”وول ستريت جورنال“ الأمريكية، الضوء على سعي حكومة السلفادور في أمريكا الوسطى إلى إنفاق حوالي 75 مليون دولار كجزء من خطة، هدفها توزيع 30 دولارًا على الأشخاص الذين يسجلون للحصول على محفظة إلكترونية تسمى ”شيفو“ Chivo.
وبحسب التقرير، من شأن هذه المحفظة أن تسمح لما يقدر بنحو 2.5 مليون مواطن في السلفادور، بشراء السلع أو سداد تكلفة الخدمات بالدولار الأمريكي أو البيتكوين، وهما العملتان الرسميتان للسلفادور، بدءًا من 7 سبتمبر المقبل.
وأشارت الصحيفة، إلى أن تجربة اعتماد ”بيتكوين“ كعملة رسمية، تنذر بتدمير اقتصاد السلفادور الذي يبلغ حجمه 26 مليار دولار، حيث يمكن أن يضطر البنك المركزي في الدولة الغارقة في الديون إلى إنفاق جميع احتياطياته من العملة الصعبة لشراء البيتكوين إذا هبطت قيمة العملة المشفرة، ولجأ المستهلكون إلى أمان الدولار.
يذكر أن حكومة السلفادور لا تستطيع طباعة عملتها الخاصة، حيث تخلت عن عملتها الكولون لصالح الدولار قبل عقدين من الزمن، وهي تكافح من أجل كسب الدولارات.
ونقلت الصحيفة عن كارلوس أسيفيدو، الخبير الاقتصادي الذي شغل منصب محافظ البنك المركزي السلفادوري في الفترة من 2009 إلى 2013، قوله، إن ”اعتماد البيتكوين كعملة قانونية، سيتركنا عالقين في دوامة من هبوط وارتفاع الأسعار“.
جذب الاستثمارات الأجنبية
وقال الرئيس نايب بوكيلي، إن ”اعتماد البيتكوين سيساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز الخدمات المالية على نطاق أوسع وبتكلفة أقل، فضلا عن خفض تكلفة إرسال واستقبال التحويلات المالية، والتي بلغت أعلى مستوى لها في العام الماضي بما يصل إلى 6 مليارات دولار“.
ووفقا للصحيفة، يبدو أن الرئيس نايب بوكيلي البالغ من العمر 40 عاما، يسعى لجذب المستثمرين الأجانب لتطوير البنية التحتية للطاقة الحرارية الجوفية من البراكين، لتوفير كميات كبيرة من الكهرباء اللازمة لتعدين العملة المشفرة.
وقال وزير المالية السلفادوري، اليخاندرو زيلايا، في مقابلة: ”بسبب اقتصادها الصغير جدًا، كانت السلفادور متخلفة عادة عن ركب الابتكار، ولكننا الآن أصبحنا وجهة استثمارية“.
إلا أن الصحيفة تشير إلى أن هذه الخطة تنطوي أيضا على مخاطر كبيرة، نظرًا لوصول الحكومة المحدود لأسواق الديون، كما تواجه ارتفاع تكاليف الاقتراض وفجوة واسعة في الميزانية.
وتتفاوض السلفادور حاليا على برنامج مساعدات مالية بقيمة 1.3 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي، ولكن وفقًا لمصادر مطلعة على المفاوضات، لم تستشر السلفادور صندوق النقد الدولي بشأن خطوة اعتماد العملة المشفرة.
من جانبه، حذر صندوق النقد الدولي، من خطورة اعتماد العملات المشفرة عالية المضاربة كعملة وطنية، وذلك لأن العملة الرقمية الصادرة من القطاع الخاص تتجاوز السلطات والبنوك المركزية، المكلفة بالحفاظ على استقرار الاقتصاد والعملة.
غسيل الأموال
وبحسب الصحيفة، يقول خبراء الاقتصاد، إن نظام البيتكوين الذي يتميز باللامركزية يفتح الأبواب في السلفادور أمام المعاملات المجهولة وغير المشروعة، مثل غسل الأموال أو مدفوعات الفدية.
وقال كلاوديو لوسير، المدير السابق لأعمال صندوق النقد الدولي في نصف الكرة الأرضية الغربي: ”لا تملك الدولة (السلفادور) الأدوات ولا القدرة على احتواء ضربات المضاربة“.
وتخطط شركة الصراف الآلي ”أثينا بيتكوين جلوبال“، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، لاستثمار مليون دولار لتركيب شبكة من أجهزة الصراف الآلي التي تتعامل في البيتكوين في البلاد، ليتمكن سكان السلفادور الذين يمتلكون تطبيق محفظة الهاتف المحمول ”شيفو“ بعد ذلك، من مسح رمز QR على شاشة أجهزة الصراف الآلي لشراء وبيع البيتكوين مقابل الدولار.
ومع ذلك، أكدت الصحيفة على خطورة تقلبات البيتكوين، كونها عرضة لما يسمى بالهبوط المفاجئ، حيث تثير الأخبار أو الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي موجة بيع مفاجئة، مما يؤدي لهبوط سعرها، فقد تراوح السعر بين 47 و50 ألف دولار هذا الأسبوع فقط، ووصل إلى ذروته عند حوالي 65 ألف دولار في أبريل.
وكعملة رسمية، يمكن أن تؤدي هذه التقلبات في سعر البيتكوين، إلى تأجيج التقلبات الحادة في أسعار السلع والخدمات، كما ستتأثر عائدات الضرائب في البلاد بشدة حسب سعر البيتكوين.
بدورها، خصصت إدارة بوكيلي 150 مليون دولار لتسهيل التبديل بين الدولار والبيتكوين تلقائيا من خلال محفظة ”شيفو“ الإلكترونية، وقارن وزير المالية اليخاندرو زيلايا ذلك بسفر المستهلكين إلى الخارج لشراء السلع بعملة أجنبية، قائلا، إنه ”يعتقد أن المستهلكين سيعتمدون العملة المشفرة تدريجيا“.
وقال زيلايا، إنه ”لا يتوقع أن يشكل تقلب أسعار عملة البيتكوين مشكلة في استخدامها“، مشيرًا إلى أن ”التسهيلات الحكومية التي توفرها البلاد للسماح بالتحويل الفوري من البيتكوين إلى الدولار والعكس، ستكون كافية على الأرجح“.
وتشير ”وول ستريت جورنال“، إلى أنه في أواخر يوليو، خفضت وكالة ”موديز لخدمات المستثمرين“، تقييم سندات الديون في السلفادور أكثر، بسبب ”تدهور السياسات“، مثل اعتماد البيتكوين كعملة رسمية وتدابير أخرى.
كما أشار تقرير الوكالة إلى الصعوبات التي تواجهها السلفادور في الوصول إلى أسواق الائتمان قبل جدول سداد الديون الثقيل اعتبارا من العام المقبل، وعدم اليقين الذي يحيط بالمفاوضات للحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي.
ووفقًا لأشخاص مطلعين على المفاوضات، كانت صفقة الإنقاذ شبه مكتملة مع صندوق النقد الدولي، عندما تعطلت بعد أن حل المشرعون في حزب ”الأفكار الجديدة“ الذي يتزعمه بوكيلي، مكان النائب العام وقضاة المحكمة الدستورية في مايو.
وفي الأسبوع الماضي، أصدر البنك المركزي في السلفادور، اللوائح المالية لاعتماد البيتكوين، بما في ذلك بنود لمنع غسل الأموال وغيرها من الأنشطة غير المشروعة، كما سيُطلب من المؤسسات المالية تنبيه المستهلكين بمخاطر تقلبات البيتكوين، وسيتعين على مقدمي الخدمات المالية تقديم تعليقاتهم على اللوائح الجديدة حتى 6 سبتمبر المقبل.