ينتظر أن تشهد فاتورة واردات المغرب من الطاقة في الأشهر المقبلة زيادة كبيرة، في ظل ارتفاع أسعار النفط والغاز في السوق الدولية، وتداعيات قرار الجزائر بوقف ضخ الغاز نحو إسبانيا عبر المغرب.
تفيد المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، في بيانات غير نهائية، الإثنين الماضي، بأن مشتريات منتجات الطاقة تضاعفت في ظل زيادة الكميات المستوردة من الوقود والغاز وسلع الطاقة الأخرى، مشيرة في الوقت نفسه، إلى أن ذلك يحدث في سياق متسم بارتفاع أسعارها عند الاستيراد بـ50 في المائة.
وفي الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري ارتفعت فاتورة واردات الطاقة بنسبة 30.6 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، كي تستقر في حدود 4.8 مليارات دولار، حسب مكتب الصرف.
ويتوقع أن تتراجع إمدادات الجزائر للمغرب من الغاز، سواء عبر أنبوب الغاز العابر للمملكة من الجزائر نحو إسبانيا أو عبر عقود تجارية.
كان المغرب يحصل على حقوق عبور أنبوب الغاز الممتد من الجزائر نحو إسبانيا، والتي تمثل 7 في المائة من الكميات المنقولة، حيث تصل تلك النسبة في المتوسط إلى 700 مليون متر مكعب، من بين واردات مغربية تصل إلى 1.3 مليار متر مكعب، ما يعني أن غاز الأنبوب يشكل 65 في المائة من الحاجيات المغربية المستوردة.
يتيح نصيب المغرب من الغاز الجزائري العابر لترابه نحو إسبانيا، تشغيل محطتين كهربائيتين، ما يمثل 10 في المائة من الكهرباء، حيث يتصور خبراء أن تلك النسبة يمكن توفيرها اليوم عبر استعمال الفحم.
غير أن الغاز ليس حاسما في سياسة الطاقة للمغرب، على اعتبار أن الغاز لا يمثل حصة مهمة في إنتاج الطاقة الكهربائية بالمملكة، إذ يتأتى 60 في المائة من النفط و25 في المائة من الفحم و10 في المائة من الطاقات المتجددة.
ويراهن المغرب في استراتيجية الانتقال الطاقي على الغاز بهدف إنتاج الطاقة، حيث يتوخى نقله من 5 في المائة إلى 13.5 في المائة، أي حوالي 5 مليارات متر مكعب في أفق 2030، حيث ينتظر أن يأتي الغاز ليعوض الفحم طبقا لالتزامات المملكة في اتفاقيات كيوتو.
وكان الغاز الذي يتم توفيره عبر الأنبوب، يستعمل لإنتاج الكهرباء عبر محطتين حراريتين، حيث تعدان المحطتين الوحيدتين اللتين تستعملان الغاز، بينما تستعمل المحطات الأخرى مصادر طاقة أخرى مثل الفحم.
ويذهب بيير ترزيان، المدير العام لشركة “PETROSTRATEGIES” المتخصصة في الاستشارة والنشر الإعلامي في مجال الطاقة، إلى أن إسبانيا هي الخاسر الأكبر من توقف الإمدادات الجزائرية على الأنبوب العابر للمغرب على اعتبار أنها كانت تحصل على 7 مليارات متر مكعب.
غير أنه يرى في تحليل له، أن المغرب بدوره سيخسر حقوق العبور الناجمة عن عبور الأنبوب لترابه، حيث لن يتلقى الغاز الجزائري، حيث سيكون عليه، كما إسبانيا، البحث عن التزود من سوق دولية ما فتئت ترتفع أسعارها.
إلا أن مراقبين في المغرب يرون أن توقف الغاز الجزائري، لن ينعكس كثيرا على ماليته، حيث يمكن البحث عن أسواق أخرى، بالموازاة مع البحث عن موردين آخرين، وإن كان ذلك سيستدعي الاستثمار أكثر في البنيات التحتية للنقل والتخزين.
ويشير الخبير في قطاع الطاقة، المهدي الداودي إلى أن المملكة استطاعت في الأعوام الأخيرة تصدير فائض الطاقة الكهربائية إلي إسبانيا، ما يؤشر على أن منع الغاز الجزائري عنه لن يؤثر كثيرا على قدراته على إنتاج الطاقة، خاصة مع وجود محطات أخرى عبر ترابه.
ويلفت إلى أنه يتوجب على المغرب البحث عن مزودين آخرين بالغاز، بالموازاة مع التوجه أكثر نحو الطاقات المتجددة بهدف إنتاج الكهرباء، بالنظر لانخفاض كلفتها في الأعوام الأخيرة، مع الاستعاضة بها عن الفحم.
ويعتبر رئيس نقابة الغاز والبترول، الحسين اليماني، أن المغرب قد يستعمل مصادر طاقة أخرى غير الغاز من أجل تشغيل بعض محطات إنتاج الكهرباء، حيث يمكن أن يلجأ إلى استعمال الفيول، مؤكدا في الوقت نفسه على أنه يمكن استيراد الغاز من بلدان أخرى.
ويرى أنه إذا كان سيتعذر استيراد الغاز من إسبانيا في ظل ما أشيع حول اشتراطات الجزائر، فإن يمكن للمملكة التعاطي مع بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة، التي أضحى غازها يدخل، مع غاز البحر المتوسط، في تحديد متوسط الأسعار التي يشتري بها المغرب.
ورجحت بعض التوقعات أن يعمد المغرب إلى استعمال الغاز الإسرائيلي لتعويض النقص الذي قد يسجل بفعل توقف الغاز الجزائري وارتفاع الأسعار في السوق الدولية.
غير أن مصدرا مطلعا، فضل عدم ذكر اسمه، ذهب إلى أن المغرب يمكنه توفير الغاز من منتجين مختلفين في أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا، مؤكدا أن الاستيراد من إسرائيل لم يطرح رسميا إلى حدود الآن، خاصة أنه لم تبرم اتفاقيات في هذا المجال، مشيرا إلى أنه يجب انتظار تشكيل الحكومة المقبلة.
وتلاحظ وكالة الطاقة الدولية أن المغرب يسعى إلى زيادة حصة الغاز الطبيعي، حيث يتطلع إلى استعمال وسائل أخرى للتزود بمصادر الطاقة، بما في ذلك الاستيراد عبر أنبوب الغاز المتقاسم مع نيجيريا، في الوقت نفسه الذي يرنو فيه إلى تسهيل التبادل على مستوى الكهرباء مع أوروبا وجيرانه الأفارقة.