مخزومي: الوقت يداهم لبنان إقتصاديا

مخزومي: الوقت يداهم لبنان إقتصاديا
مخزومي: الوقت يداهم لبنان إقتصاديا

فيما يلي كلمة سعادة النائب فؤاد مخزومي خلال ورشة عمل حول دور مجلس النواب في تحريك عجلة الاقتصاد في لبنان جاء فيها:

السيدات والسادة… السادة الزملاء… الحضور الكريم

الوقت يداهم لبنان اقتصاديا. فكيف يمكن أن تعود بيروت مركزا للاستثمار وهي اليوم إقليميا ثاني أغلى مدينة من حيث كلفة المعيشة؟ كيف تنهض وهي غارقة في أزمات الكهرباء والنفايات وذروة المشاكل البيئية، وحجم الدين العام قد بلغ 84 مليار دولار، ونسبة البطالة بلغت 20% بين اللبنانيين و37% بين الشباب؟
كيف يمكن أن ننهض باقتصادنا ونجلب الاستثمارات إلى بلدنا فيما يشغل لبنان المرتبة الـ 160 من أصل 200 دولة بحسب التصنيف العالمي لسرعة الإنترنت؟
وعلى صعيد الإدارة، مؤسسات الدولة تتآكل من الداخل تحت وطأة المحسوبيات وآلاف الوظائف الوهمية والتوظيف العشوائي المتزايد خصوصاً في ظل حكومة تصريف الأعمال.
إن أردنا مواجهة لهذا الواقع الأليم تتولاها السلطة التشريعية ضد الفساد في القطاع العام، طالعتنا عراقيل تؤكد عدم توافر نية سياسية بتطبيق القوانين.
مهما بذل المشترع من جهود، أمامه حتما مشكلة عهدناها في الحكومات المتعاقبة قوامها عدم إصدار مراسيم تطبيقية للقوانين التي يسنها مجلس النواب، علما بأن الغموض اللاحق بتطبيق الدستور يترك للوزير مساحة واسعة للتصرف بحرية.
أما مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة إلى اللجان النيابية لإنشاء ما يسمى مؤسسات وهيئات رقابية ناظمة لإدارة الملفات الحياتية من مياه وكهرباء ونفايات، فهي تخرج مجلس النواب من وظيفته الأساسية أي الرقابة والمحاسبة، إذ تصدر عن هيئات تابعة للوزير، لكنها لا تخضع لمحاسبة السلطة التشريعية كما هي الحال بالنسبة إلى الحكومة وأعضائها.
من هنا سؤالنا: هل يكفي التشريع والوعود بمحاربة الفساد إذا لم يستطع مجلس النواب ممارسة صلاحياته ومحاسبة الفاسدين بسبب تشكيل الهيئات عبر محاصصات طائفية؟
إن أولى الخطوات المتوجبة لمحاربة الفساد تكون باعتماد الشفافية المطلقة في معالجةِ مختلِف الملفات وحماية البلد من الصفقات والمحاصصات على أن تطلق يد مجلس النواب في الرقابة والمحاسبة.
بعد إطلاق اليد هذا يمكن الانتقال إلى الخطة المرجوة للتشريع من أجل النهوض باقتصاد بلدِنا. ومن أهم العناوين المترتبة على المجلس:
* إقرار قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص فهي الطريق إلى المستقبل وإحدى الدعامات المهمة للاقتصاد الإيجابي، والعمل على تقليص حجم القطاعِ العام.
* إقرار أسس للرقابة والمساءلة مستمدة من المبادئ والقوانين التي نقيم عليها الخصخصة والاستثمار. إن أي تساهل في تطبيق القوانين اليوم قد يفتح المجال لمزيد من الفساد والهدر، لذا أرى لزاماً أن تطبق القوانين التي تحمي الاقتصاد وعلى رأسها القانون رقم 44 لمكافحة الفاسدين ومنعهم من توظيف ثمار فسادهم في دورة اقتصادية شرعية.
* عدم اقتصار البحث عن حلول اقتصادية على قطاعِ الخدمات، بل علينا أن نفعل القطاعات الإنتاجية من زراعةٍ وصناعةٍ بفئتيها الخفيفة والثقيلة، ونصلح قطاع التعليم لتحقيق نهضة علمية تلائم تطور التكنولوجيا وتواكب الثورة الرقمية.
* لعل من أهم القوانين التي يجب إقرارها باكرا تلك المتعلقة بتعديل المناهجِ الدراسية والنظام التعليمي بشكل عام. فهل عندنا رؤية استراتيجية واضحة تؤدي إلى نظام تعليمي مفيد؟
إن الطلاب المقبلين على اختيار تخصص جامعي في ختام هذا العام الدراسي مثلاً، هم خريجو جامعات سيتقدمون للعمل في الربع الثاني من القرن الواحد والعشرين بما فيه من متطلبات عصرية وتطوّر تكنولوجي ورقمي.
لكنّ المناهج التعليميّة التي تخط لهم الطريق الأكاديميّة لا تزال تخضع لذهنية القرن الماضي. فهل يجوز أن تواجهَ أجيالُنا تحدّياتِ زمنها متسلحة بعلم فاتت صلاحيته وانعدمت جدواه؟ وهل نعد للوطن ومحيطه شباباً مُعرضاً، رغم علمه وتضحياته، لأن يكون عاطلاً عن العمل؟
من هنا الحاجة الملحة إلى إدخال الاقتصاد الرقمي في مناهج التعليم، وتطوير مجالات التعليم أجامعياً كان أم مهنياً، وذلك لتنشئة جيل قادر على التأقلم مع الاقتصاد المعاصر الجديد.
إن توجهاً متطوراً كهذا يسمح بتوجيه الشباب إلى تحقيق أفضل ما عندهم من طاقات وفق ما لدى كل فرد من إمكانيات واستعداد، كما يسمح لإنتاجنا الزراعي والصناعي أنْ يراعي مواصفات الجودة العالمية واحتياجات الأسواق المتوافرة والإمكانيات المتيسرة لبلدنا.
من هذا المنطلق أنشأت “مركز مخزومي للإبداع” في الجامعة اللبنانية – الأميركية لتمكين الشباب من مواءمة طاقاتهم مع حاجات لبنان والمنطقة، وسأستمر في هذا الدعم لشبابنا، كي تكون لهم الأفضلية دائماً أينما وجدوا.
كذلك المبادرة التي أطلقتها دولة الكويت مشكورة، والتي تهدف إلى إنشاء صندوق للاستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، تُعد خطوة مهمة وأساسية على أن يواكبها مجلس النواب بقوانين وتشريعات تساهم في وضعِ لبنان على خريطة الدول الرقمية.
أما القطاعات الواردة أعلاه فنلاحظ غيابها التام عن الاهتمام الرسمي. فهل عندنا مثلا تصور لدور لبنان في مرحلة إعادة البناء الآتية إلى المنطقة وخصوصاً إلى السوق الأكبر في العراق؟
هل عندنا نظرة استراتيجية واضحة إلى ما من شأنه تسهيل أمورنا بالوسائل الدبلوماسية السليمة كي لا يؤدي غموض العلاقة مع سورية إلى صعوبة التنقل بل إلى استحالة مشاركتنا في مرحلة البناء الآتية والإسهام فيها، أو على الأقل إلى ترسيخ علاقات جيرة وُدية وندية لا شأْن لها بسلبيات الماضي؟
هل بحثنا عن حلول تسمح بتوفير فرص عمل لشبابنا خصوصاً بعد الذي بتنا نشهده من تضاؤل في فرص العمل التي كانت متوافرة في دول الجوار؟
هل نمتلك استراتيجية واضحة لتطوير هذه الصناعات كي ترتقي إلى مستوى المواصفات العالمية؟
هل عندنا خطة استثمار في الجودة تشمل تطوير الطاقات والكفاءات ونوعية الإنتاج، وتبرر الفاتورة اللبنانية التي كانت تحتل أرقى المراتب عن جدارة وتفوق؟
هل صار نصيبنا في المرحلة التي تستعد لها المنطقة القيام بالتسديد عن غيرنا والافتقار إلى أية ميزة خارج إطار الأهمية المعقودة على دورنا في استيعاب النازحين؟
أعتقد أننا في حاجة ماسة إلى قوانين تنظم القطاع الصناعي وتحميه وتبعده عن سياسة المحاصصة وتقاسم المغانم.
والقطاع الزراعي أيضاً ثروة حقيقية للبنان، ففي حين يشعر الشباب بقلق متنام مستقبل الأرض والبيئة، من شأن تلبية الحاجة المستقبلية للغذاء أن تتيح في الريف فرصاً لتوفير وظائف للشباب في مجال الزراعة المستدامة. ومن شأن اهتمامِهم بالمسائل البيئية أن يكون له دور أساسي في تعزيز الاقتصادات الخضراء.
ثم هل فكرنا في أهمية الاستفادة من طاقات المرأة، ووضعنا خططا وقوانين تساعدها على الإسهام الفعال في سوق العمل؟
وما يزيدنا إلحاحا في تساؤلنا ما طالعنا به مؤتمر “سيدر” على أهميته، فقد جاء خاليا من أية بنود تدعم الزراعة أو الصناعة أو التكنولوجيا، علماً بأن قوة لبنان تكمن فعلياً في هذه القطاعات الثلاثة.
بل نرى بوضوح أن الـ11 مليار دولار التي خصصها المؤتمر للبنان من أجل تطوير البنية التحتية، آتية في الدرجة الأولى لإيجاد فرص عمل لليد العاملة السورية إذ إنها تتكوّن بمعظمها من مهارات تختص بالبناء عموماً وبأعمال البنية التحتية. هذا عائد إلى أسباب معروفة منها إبقاء النازحين أو إطالة مدة إقامتهم في الدول المضيفة.
وهنا نسأل: لماذا أتت الأموال على شكل ديون ولم تأت على شكل منح؟
ونسأل عن الشفافية التي تعهد لبنان للمانحين باحترامِها. إن خير مثال على هذه “الشفافية” ما شهدناه من ترسية للعقود سواء في المطار أو في خزانات الغاز، حيث يبدو “المسؤولون” في سباق مع الزمن استباقاً لقيود الشفافية الموعودة.
هذه العناوين لا بد لها من الانتظام في خطط تقتضي البحث والتشريع وتيسير وسائل تنفيذ ناجحٍ ومعافى. ولعل هذه الوسائل ممكنة متى سمح للمستثمرين ورجال الأعمال الذين نجحوا في الخارج أن يتولوا إدارة المرافق الاقتصادية في البلد، بعيداً من التدخلات السياسية والطائفية والمذهبية. فقد آن الأوان للخروجِ بحلول ناجعة للأزمات التي تعصف ببلدنا.
دعوتي هذه لا تأتي من عدم أو فراغ وقد رجعت لتوي من مشاركتي في مبادرة بمدينة الرياض جمعت القطاعين العام والخاص لبناء برنامجٍ يحفز الاستثمارات ويخلق فرص العمل عبر تطوير الصناعة الوطنية السعودية والخدمات اللوجستية.
مملكة خصها الله بنعم كثيرة، تسعى إلى إنتاجية عصرية لا تجعلها تكتفي بالاتكال على ثروتها النفطية، فتخطط لغد منتجٍ ومثمر… ونحنُ في لبنانَ الغنيّ بطاقاتٍ بشريّةٍ خَلّاقةٍ وطبيعةٍ خلّابة نُهمِلُ بيئتَنا وغدنا وشبابَنا، متنازعين ما تبقى من أضغاث بحبوحة في طريقها إلى الزّوال.
لا بد لنا من تهيؤ وإقدام ومثابرة، فالجميع يتطلع إلى خطوات اقتصادية وتنموية جدية تساهم في استعادة لبنان دوره الحيوي في المنطقة ليرجع جسر عبور نحو العالم، آمناً ومزدهراً.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى