فيما تجاهر وزارة الخزانة الأميركية أن عقوباتها موجهة ضد "حزب الله" وبيئته الحاضنة، تظهر الوقائع التبعات السلبية لهذه العقوبات على الاقتصاد اللبناني في الدرجة الأولى لما تسببه من خوف وذعر لدى المواطنين وفي مختلف البيئات والطوائف، وما نتج عنه من سحوبات للودائع، لا سيما مع اتساع دائرة الشائعات بشأن إدراج المزيد من المصارف على لائحة العقوبات الأميركية. ألحقت هذه العقوبات ظلماً بالمؤسسة والشخص المستفيد منها سواء كان مودعاً أم موظفاً. هي إذاً عقوبات تهدد الاقتصاد اللبناني برمته بمعزل عن "حزب الله"، خصوصاً أن الزائر الأميركي لم يخفِ عزم بلاده على معاقبة "أي فريق يقدم دعماً عينياً لحزب الله".
ويتعاطى "حزب الله" مع ملف العقوبات على أنها حرب مالية معلنة في مواجهته كبديل من الحرب العسكرية أو في موازاتها. وحتى الأمس القريب كان "حزب الله" يتصرف على أساس أن هذه العقوبات تطاوله مباشرة، وهو قادر على الاحتمال انطلاقاً من كونه ليس جزءاً من النظام المالي ولا تأثير مباشراً للعقوبات عليه، لكن أما وقد أعلنت أميركا الحرب المالية على بيئته الحاضنة فعليه أن يقارب المسألة من منظار مختلف.
ويوم فرضت عقوبات بحق البنك اللبناني - الكندي لم يكن المقصود أي من مسؤولي "حزب الله" وحين تمت عملية بيع المصرف تم اكتشاف مجموعات مصرفية لبنانية ليست بعيدة من الأميركيين تساهم في تضخيم الخلاف لمصلحة شخصية تجارية.
أكثر ما يستوقف "حزب الله" تفسيرات البعض للعقوبات الأميركية بما يفوق الموقف الأميركي ويزايد عليه مما يسيء إلى السيادة المالية للبنان. واقع اضطر الأمين العام لـ "الحزب" السيد حسن نصرالله الحديث عن وجود "أشخاص أميركيين أكثر من الأميركيين أنفسهم". ويلمّح إلى وجود متبرعين لبنانيين ممن يقدمون معلومات ومعطيات ويشتكون على مصارف أخرى تعطي تسهيلات لأفراد قريبين من "حزب الله" أو تربطهم صداقات بأفراد من "الحزب".
وبعد العقوبات على "جمال ترست بنك" وتشتت 400 عائلة، وجد "حزب الله" ضرورة البحث عن حلول وقد دخل فعلياً في مرحلة دراسة الخيارات في مواجهة العقوبات التي تطاول بيئته وحلفاءه. ومن بين هذه الخيارات قد يكون خوض حوار جدي وعميق مع المعنيين بالأمر لوضعهم أمام مسؤولياتهم.
لا يؤيد "حزب الله" وجهة نظر القائلين بأن لا خيار أمام الدولة إلا الخضوع إلى العقوبات الأميركية، مجرد الخضوع لهم أو لغيرهم يعني انتهاكاً للسيادة المالية، ما يعني أن هذه السيادة لم تعد محصورة بقرار حاكم مصرف مركزي ولا دولة بل بقرار مساعد وزير الخزانة في أميركا.
لكن السؤال الذي يكبر يتعلق حصراً بدور الدولة اللبنانية والحكومة في مواجهة العقوبات الأميركية، وخطورة أن تفرض عقوبات على مصرف بشحطة قلم من دون أي رد فعل رسمي.
هي عملية "إعدام مصرفي" تتبعها اميركا التي تؤكد يومياً حرصها على استقرار لبنان وحماية قطاعه المصرفي، تماماً كحرصها على المؤسسة العسكرية، وإذ بها تهز ثقة الناس بهذا القطاع وتهرّب المودعين. وإذا كان السبب المعلن هو معاقبة "حزب الله" فماذا عن بقية الناس والثقة بالاقتصاد التي تهتز بفعل العقوبات الأميركية قبل غيرها؟
المؤكد أن "حزب الله" لن يقف مكتوف الأيدي جراء ما يواجه بيئته ومجتمعه من عقوبات ستكون لها تداعياتها المؤلمة ويبدو وكأن صبره قد نفد وهو في صدد درس خياراته، ولو أن آلية المعالجة لم تتضح أمامه بعد لكنه باشر البحث في واقع العقوبات وسقفها وآلية الالتفاف عليها تحت سقف الدولة.