خبر

الراعي: لو طال التغيير حياة المسؤولين لكان التغلب على الفساد المستشري قد تم وتأليف الحكومة قد حصل

ترأس البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس عيد تجلي الرب في باحة الكنيسة داخل الغابة الدهرية في الارز، وعاونه المطرانان حنا علوان وجوزف نفاع، والمونسينيوران فيكتور كيروز ويوسف فخري، في حضور النائب السابق جبران طوق ونجله وليم والقاضي انطوني عيسى الخوري، رئيس بلدية بشري فريدي كيروز ورئيس لجنة اصدقاء غابة الارز انطوان جبرايل طوق وعدد من المخاتير والكهنة وحشد من المؤمنين.

بعد تلاوة الانجيل المقدس ألقى الراعي عظة بعنوان “تجلى يسوع أمام عيونهم، وكانت ثيابه تتلألأ بيضاء جدا كالثلج” (مر 9: 2-3). وجاء فيها: “عندما أعلن يسوع أمام تلاميذه “أن عليه أن يتألم كثيرا، ويرذل من الشيوخ وعظماء الكهنة والكتبة، ويقتل، وبعد ثلاثة أيام يقوم”، كانت الصدمة لبطرس الذي سبق وأعلن أن يسوع هو “المسيح ابن الله الحي”. فاعترض قائلا: “حاشى أن يكون لك ذلك”. وبعد ستة أيام اصطحبه مع يعقوب ويوحنا إلى جبل عال، “وتجلى أمام عيونهم، وكانت ثيابه تتلألأ بيضاء جدا كالثلج”.

فأراد بذلك تثبيت إيمانهم بألوهيته، واستباق مجد قيامته من الموت، وكشف قيمة آلامنا الخلاصية، إذا ما ضمت إلى آلامه.
يسعدنا أن نحتفل معكم، جريا على تقليد عريق، بهذه الليتورجيا الإلهية، إحياء لعيد تجلي الرب يسوع. من أجل هذه الغاية، شاء أسلافي البطاركة معكم، يا أهالي بشري الأعزاء، تشييد كنيسة التجلي في أرز الرب الخالد والشامخ بمهابته، والمشبهة به حكمة الله كما جاء في الكتاب المقدس: “إرتفعت كالأرز في لبنان”. فنقدم هذه الذبيحة الإلهية على نيتكم، أيها الحاضرون، ونية القيمين على حماية غابة الأرز وتطويرها، وعلى نية كل أبناء بشري والمنطقة وكهنتهم. نذكر بصلاتنا أجيالكم الطالعة ومرضاكم وأبناءكم المنتشرين تحت كل سماء. ونصلي لراحة نفوس موتاكم.

إننا في كل مرة نزور الأرز، نشعر بالدعوة إلى الإرتقاء روحيا وأخلاقيا، ثقافيا ووطنيا، مثل الذين سبقونا من أبناء هذه المدينة وجبتها الممتدة بمدنها وبلداتها وقراها على ضفاف الوادي المقدس ومداه. ونخص بالذكر البطاركة العظام أمثال المكرم أسطفان الدويهي ونصلي كي يظهر الله قداسته ويرفع على مذابح الكنيسة؛ والبطريرك أنطون عريضه، رجل الإستقلال والميثاق الوطني؛ والمطران يوسف سمعان السمعاني حافظ المكتبة الفاتيكانية، ورائد المجمع اللبناني المنعقد سنة 1736 في دير سيدة اللويزة بزوق مصبح. ويضيق المجال لاستعراض مآثر البطاركة الآخرين والمطارنة أبناء هذه الأرض. ويفوق الجميع القديس شربل بسمو قداسته. ولا ننسى رجال الفكر والثقافة والفن والأدب والشعر وعلى رأسهم جبران خليل جبران الذائع الصيت في أدبيات العالم، ولاسيما بلوحاته وكتابه “النبي” المترجم إلى العديد من اللغات”.

أضاف: “ونشعر بالدعوة الى التجذر في هذه الأرض، والصمود بوجه رياح المحن، والإصغاء لما يروي لنا الأرز والجبال والوادي المقدس عن مآثر الآباء والأجداد، لكي نواصل التاريخ بكتابة صفحات مجيدة جديدة أمثالهم. التجلي المصحوب بترائي ايليا وموسى يعني أن الرب يسوع يحقق بهاء صورة الله الكاملة التي ظهرت انعكاسا على وجه موسى على جبل سيناء، وعلى وجه ايليا على جبل الكرمل. ويستبق بمجد قيامته تحقيق صورة الله في الأبرار والقديسين، الذين قال عنهم الرب يسوع: “يتلألأون كالشمس في ملكوت الآب” وهكذا، يتجلى لنا يسوع بأنه محور الأزمنة، ووسيط العالمين: عالم الله وعالم البشر. لا يقف حدث التجلي عند حدود الماضي، بل هو دعوة لإجراء التغيير فينا، وقد عبر عنه بولس الرسول بهذا النداء: “أيها الإخوة، تغيروا بتجديد أفكاركم، ولا تتشبهوا بهذا العالم، بل ميزوا أين هي مشيئة الله الصالحة والكاملة وفي رسالته إلى أهل فيليبي وجه دعوة أخرى للتغيير بقوله: “تخلقوا بأخلاق المسيح، الذي أخلى ذاته، وأخذ مثال الخادم. حياتنا مسيرة تغيير تصبو بنا لنصير على مثال المسيح في مجده، على ما يقول أيضا بولس الرسول: “إننا ننتظر محيينا ربنا يسوع المسيح الذي سيغير جسد حقارتنا، لنصير شبه جسد مجده”.

هذا الكلام موجه إلى كل إنسان، وبخاصة إلى كل مسؤول في العائلة والمجتمع، وفي الكنيسة والدولة. فعندما يغير المسؤول مجرى حياته الخاصة بالصلاة والتوبة والتأمل بكلام الله، إنما يغير معه بيئته وكل من يتعاطى معه. فلو طال التغيير الذاتي حياة المسؤولين في الدولة، لكان التغلب على الفساد المستشري قد تم، لأن مصدره فساد قلب الإنسان وأخلاقه؛ ولكان تأليف الحكومة قد حصل منذ أوائل أيام التكليف، لأن سببه الأنانية والحسابات الشخصية والنوايا غير السليمة”.

وتابع الراعي: “ثم أليس من المعيب والمسيء مثلا الكلام منذ الآن، ونحن في الثلث الأول من العهد الرئاسي، عن حكومة تحتسب انتخاب الرئيس المقبل؟ وكأن هذا الموضوع هو الهم الوحيد، وليس انتشال الشعب اللبناني من حالة الفقر والعوز، ولا النهوض بالاقتصاد في كل قطاعاته، ولا العمل على تقليص الديون والخروج من العجز، ولا تأمين فرص عمل لقوانا الحية، ولا الحد من هجرتها وافقار البلاد من قدراتها! أما الصوت الذي سمع: “هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا” ، فهو دعوة لعدم الخوف من السير على خطى المسيح في تغيير الذات، والتحلي بالأخلاق الرفيعة؛ ودعوة لانتزاع شك الصليب والألم والفشل والفقر والاضطهاد والظلم من نفوسنا. فهذا المسيح المتألم هو إياه الممجد بالقيامة، كما ظهر في حدث التجلي.
إننا نسأله الصمود في الإيمان والرجاء، بوجه محن الحياة وصعوباتها، حتى نبلغ بنعمته إلى تغيير ذواتنا وتغيير وجه عالمنا. فنستحق أن نرفع من عمق قلوبنا نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.

استقبالات

الى ذلك، إستقبل البطريرك الراعي في الديمان نائب رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي فيليب داليه يرافقه المطران حنا رحمة. وأشار داليه بعد اللقاء الى انه يزور لبنان للمرة الأولى، لافتا الى أنه تعرف على الراعي في باريس خلال عشاء مع رئيس المجلس جيرار لارشيه. وأشاد داليه بـ”جمال لبنان”. وأكد انه سيزوره كل مرة تسنح له الظروف لأنه خلال لقاءاته لمس “عمق العلاقة التي تربط الشعبين اللبناني والفرنسي”.

والتقى الراعي النائب السابق الدكتور احمد فتفت الذي اعتبر بعد اللقاء، ان الزيارة هي “للترحيب بغبطته في الشمال ولأخذ البركة منه”. وقال: “كان تقييم للوضع الاقتصادي خصوصا في منطقتي بشري والضنية اللتين تعانيان من صعوبة تصريف الانتاج الزراعي. وعلى الصعيد السياسي تداولنا مع غبطته موضوع تعسر تأليف الحكومة والبدع التي نسمعها من جهة الحصص واختراع المعيار الذي يناسب كل جهة وكل طرف، فالمعيار الحقيقي الذي يمكن ان تشكل الحكومة من خلاله هو الدستور والطائف”.

وأشار الى ان “تحديد البعض تواريخ بعيدة لتأليف الحكومة وتصريحات البعض الاخر قد شكلت ردات فعل سلبية عند القيادات السنية لاعتبارها تعديا على صلاحيات رئيس الحكومة”. واعتبر ان “من أقر قانون الانتخاب نادم عليه اليوم والذي تسبب في الاشكال الحاصل في تشكيل الحكومة وأتاح المجال لقوى لا تنتمي الى الحس الوطني والوفاقي لتضع يدها على البلد”.

والتقى البطريرك الماروني ايضا وفدا من مطوري العقارات في لبنان. وظهرا التقى وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني وعقيلته، وعرض معه الاوضاع العامة على الساحة اللبنانية واستبقاهما الى مائدة الغداء.