عبارة سياسية واحدة أطلقها الرئيس ميشال عون كانت كافية لشغل الأوساط السياسية وتشتيت تركيزه على الموضوع الحكومي العاجل، وتحويل الأنظار في اتجاه موضوع آخر متأخر هو الاستحقاق الرئاسي. قال الرئيس عون ما مفاده إن الحملة على العهد سببها السباق الى رئاسة الجمهورية، ولأن الوزير جبران باسيل يقف على رأس هذا السباق. هذا التصريح طرح تساؤلات واستنتاجات أبرزها:
٭ هذا التلميح يعني بشكل أو بآخر الفتح المبكر جدا لانتخابات رئاسة الجمهورية، في حين أن الرئيس عون لم ينه بعد السنة الثانية من العهد.
٭ هذا الموقف يعني أن الرئيس عون يعلن من الآن تبنيه لترشيح باسيل ويعده ويحضّر له الظروف والأرضية السياسية كي يكون وريثا له في رئاسة الجمهورية بعدما سلمه رئاسة التيار الوطني الحر.
٭ هذا الموقف يقيم ربطا بين الاتفاق الحكومي الراهن والاستحقاق الرئاسي البعيد، ويغلب العوامل الداخلية في أزمة التأليف على العوامل الخارجية.
٭ هذا التوجه يعلن أن مفاعيل التسوية الرئاسية انتهت مع الانتخابات النيابية، وأن الوضع مقبل على مواجهات وتسويات جديدة.
الأوساط المعارضة للعهد، وفي سياق تعليقها على هذا الموقف الرئاسي، لاحظت في الآونة الأخيرة تبدلا في أسلوب الرئيس عون وأدائه الإعلامي والسياسي، وفي 3 اتجاهات على الأقل:
٭ خوض الرئيس عون مباشرة غمار الرد على الحملات وتحديد الموقف السياسي للعهد ورسم الإطار السياسي للمرحلة. وهذا الرد لا يقتصر على تصريحات ومواقف وإنما يأخذ أشكالا مختلفة مثل الاستقبال الأسبوعي لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يقوم بدور مؤثر في تهدئة الأسواق والانفعالات والشائعات، ومثل إجراء مقابلات وأحاديث إعلامية وخروج الرئيس عن تحفظ وتقنين في هذا المجال.
٭ عودة الرئيس عون، ومن قصر بعبدا، إلى أسلوب ومناخ ما قبل الرئاسة وما كان يفعله من الرابية.
٭ تبديد الرئيس عون أي انطباع وتقدير بأن هناك إمكانية للفصل والتمييز بينه وبين الوزير باسيل.
٭ تدخل رئيس الجمهورية المباشر في اللعبة السياسية، فهو الذي عمل ودفع باتجاه مصالحة باسيل مع الرئيس بري، ويضغط على الحريري لفك ارتباطه المستجد مع جعجع وجنبلاط ووقف دعمه الحكومي لهما.
المصادر السياسية المواكبة للعهد تضع الأمور في نصاب آخر، وتحدد الصورة والمعطيات في النقاط التالية:
1 ـ رئيس الجمهورية كان أعلن في وقت سابق أنه يعول على الحكومة التي ستشكل بعد الانتخابات وستكون منبثقة عن برلمان جديد منتخب على أساس القانون النسبي، وبالتالي يعتبر أن الحكومة الجديدة بمنزلة حكومة العهد الأولى، أي الحكومة الفعلية التي سترافقه طيلة رئاسته وسيعهد إليها مهمة إنجاح العهد وبرنامجه الإصلاحي. وبالتالي لن يوقع إلا على مرسوم الحكومة التي يقتنع بها، ولن يتنازل عن دوره وصلاحياته ولن يتراجع مهما اشتدت الضغوط عليه، وبالتالي فإن سياسة الضغوط والابتزاز في العامل الاقتصادي والرهان على عامل الوقت لن يفيد في شيء، وإذا أراد الرئيس المكلف أن يستمر في وضع المراوحة “لا يؤلف ولا يعتذر”، فلا مشكلة في استمرار هذا الواقع وحكومة تصريف الأعمال، ورئاسة الجمهورية ليست الأضعف في المعادلة الراهنة وفي ظل الفراغ الحكومي وتعطل مجلس النواب.
2 ـ عون بات مقتنعا، استنادا الى وقائع سياسية حسية، أن هناك استهدافا مبرمجا ضد العهد لضربه وإضعافه، وأن هذا الاستهداف يأتي من جهتي القوات والاشتراكي، وإن كان جنبلاط يطلق النار مباشرة على العهد، في حين يحرص جعجع على تحييد عون والعهد والتصويب على باسيل. وما أزعج عون وفاجأه هو أن يكون الحريري منحازا الى هذا الفريق.
3 ـ يعتبر الرئيس عون أن الوجه الآخر لحملة تطويق العهد وإضعافه، هي تطويق باسيل وإضعاف فرص وصوله الى رئاسة الجمهورية، لأن باسيل يتصدر لائحة الترشيحات بعد نجاحه في ترؤس أكبر كتلة نيابية في المجلس الجديد.
وعندما أشار الرئيس عون الى هذا الواقع (باسيل على رأس السباق الرئاسي)، كان في صدد توصيف الواقع وكشف أسباب خفية كامنة وراء الحملة على العهد. والمسألة ليست مسألة فتح مبكر لمعركة الرئاسة، وإنما مسألة استهداف مبكر للعهد والتعاطي معه وكأنه في نهاياته وليس في بدايته، وضرب فكرة “الرئيس القوي” والتصرف على أساس أن فترة السماح معه انتهت مع نهاية الفصل الأول.