خبر

انقلابٌ على التسوية السياسية يُمدِّد مأزق تشكيل الحكومة في لبنان

انكشف مأزق تشكيل الحكومة الجديدة على تَصدُّعِ التسوية السياسية التي تقف على حافة انهيارٍ ينطوي على محاولةٍ لتبديل قواعد اللعبة والانقلاب على التوازنات التي طبعتْ الواقع اللبناني منذ أكتوبر 2016 وتفاهماتها، ربْطاً بالمتغيرات الإقليمية التي يشكّل وجهها الأبرز “نجاة” نظام الرئيس بشار الأسد من الأزمة التي انفجرتْ في سورية العام 2011.

ولم تعد أوساط سياسية مطلعة تتعاطى مع الأزمة الحكومية على أنها مشكلةٌ “موْضعية”، لا في طبيعتها ولا عناوينها ولا امتداداتها ولا ارتداداتها المحتملة، بل على أنّها تعبيرٌ عن عملية ارتداد ممنْهج على التسوية التي كانت أفضتْ إلى إنهاء الفراغ الرئاسي بانتخابِ زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وعودة زعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة.

وتشير هذه الأوساط إلى أن تلك التسوية استندتْ الى دعامتيْن: واحدة سياسية ترتكز على اتفاق مزدوج على وضْع القضايا الخلافية جانباً، ولا سيما الموقف من الأزمة السورية وانخراط “حزب الله” العسكري فيها، والنأي بلبنان عن أزمات المنطقة وحروبها. والثانية تحالُفية وتقوم على تفاهُم بين كل من “التيار الحرّ” وحزب “القوات اللبنانية” (اتفاق معراب)، وبين “التيار الحر” و”المستقبل”.

ولاحظتْ الأوساط أنّ هذه المرتكزات تتعرّض تباعاً وعلى خلفية الأزمة الحكومية، المربوطة بنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة وما حملتْه من تحولاتٍ كما بالمتغيرات في سورية خصوصاً، لعملية قضْمٍ من تحالُف رئيس الجمهورية و”حزب الله” وهو ما عبّرتْ عنه الوقائع الآتية:

* سقوط ركيزة وضْع القضايا الخلافية جانباً باستحضار شعار التطبيع مع النظام السوري كـ “عنصر مكوِّن” في عملية تأليف الحكومة وأحد أبرز عناوين “أجندة عمل” ما بعد تشكيلها، واندفاع فريق عون و”حزب الله” الى الدعوة لإعادة الدفء إلى العلاقات مع دمشق من بوابة ملف النازحين وتصدير البضائع اللبنانية عبر معبر نصيب (الحدودي بين سورية والأردن) والشراكة في إعادة إعمار سورية.

* الانتكاسة المدوّية لسياسة “النأي بالنفس” والتي جاءت في موازاة تجدُّد الحملات الشعواء على المملكة العربية السعودية واتهامها بالتدخل في الأزمة الحكومية، وتمثّلت في الرسالة وبـ “مكبرات الصوت”، التي وجّهها “حزب الله” إلى الداخل والخارج عبر المجاهرة بالصوت والصورة باستقبال أمينه العام السيد حسن نصرالله وفداً من “أنصار الله” اليمنية (الحوثيين) ووضْعها في السياق الصِدامي مع الرياض وواشنطن.

* نعي “التيار الحر” اتفاق معراب مع “القوات اللبنانية” إيذاناً بالتحرر من مقتضياته ولا سيما في شأن تقاسُم الحصص بالتساوي في الحكومة، في موازاة انتقال علاقة الحريري بـ “التيار الحر” الى مرحلة بالغة البرودة في ضوء الحملات التي تعرّض لها رئيس الحكومة و”الكلام الكبير” الذي قيل في حقه ونُسب إلى رئاسة الجمهورية.

وحسب الأوساط السياسية، فإن هذه المعطيات تؤشر على أن مسار تأليف الحكومة مرشّح لمزيد من التأزُّم والتأجيل ولوضع البلاد أمام مخاطر حقيقية في لحظة “التدافع الخشن” بين الولايات المتحدة وإيران التي تستعدّ لتلقي دفعة هي الأقسى من العقوبات الأميركية في نوفمبر المقبل وسط ترقُّب تضييقٍ إضافي على “حزب الله” المطارَد بعقوبات مماثلة من واشنطن.

وفيما كان ملف “العلاقات اللبنانية – السورية” محور لقاء الرئيس عون أمس مع السفير اللبناني في دمشق سعد زخيا جرى خلاله أيضاً بحث قضية النازحين السوريين، شكّل هذان العنوانان المحور الرئيسي في محادثات وزير الخارجية رئيس “التيار الحر” جبران باسيل في موسكو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.

وعكستْ محادثات لافروف – باسيل تفاهماً على وجوب عودة النازحين بمعزل عن الحل السياسي وبما لا يُبقي هذه الورقة “وسيلة ضغط” في الانتخابات الرئاسية في سورية، في موازاة تظهير وزير الخارجية الروسي ضمناً العقبات التي تعترض المبادرة الروسية حول إعادة اللاجئين من خلال كلامه عن رفض واشنطن المشاركة في إعادة إعمار سورية “بهدف عرقلة عودة اللاجئين لبلادهم” وتأكيده أن الولايات المتحدة “مهتمة فقط بإعادة إعمار أجزاء من سورية تنشط فيها المعارضة”.

وإذ أكد لافروف “وجوب عدم جعل لبنان رهينة للأزمة السورية من خلال ملف النازحين”، لفت إلى أنّ “أكثر من 7 آلاف نازح غادروا لبنان إلى سورية الشهر الماضي ونحن جاهزون لمواصلة هذه العمليّة”، معتبراً أنّ “استقرار لبنان أساس للتوازن بالمنطقة”، وداعياً “لاحترام سيادة لبنان وإيجاد الحلول للقضايا الداخلية بالحوار وتعزيز التوازن بعد تشكيل حكومة وحدة وطنيّة”. من جانبه، كان “التنسيق مع الدولة السورية” في ملف النازحين مرتكزاً في كلام وزير الخارجية اللبناني الذي أكد “العودة السريعة والممرْحلة والكريمة والآمنة للنازحين ورفْض وضع شروط مسبقة أو ربْط العملية وتعقيدها بانتظار الحل السياسي، لأن في ذلك تقويض للاستقرار في لبنان”، ومعتبراً ان “ورقة الضغط باستعمال النازحين في الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة سقطت ويجب الاعتراف بهذا الأمر”. وقال: “نؤيّد المبادرة الروسية بالكامل لأنّها تشكّل المبادرة الدوليّة الأولى التي تقوم على تشجيع السوريين على العودة”، داعياً “للتنسيق بين لبنان وروسيا والدولة السورية وكل دولة مهتمة بسياسة التشجيع على العودة لجعل هذه المبادرة ناضجة تنفيذياً”، ومشدداً على أنّ “لبنان يجب أن يكون منصة لإعادة إعمار سوريا ومن هنا ضرورة إعداده لهذا الدور من خلال التعاون مع سوريا”.