خبر

حوار ساحة النجمة.. حناجر قوية ومزايدات شعبوية

ليس كل حوار وطني كان حوارا منتجا. الحوارات التي عقدت في قصر بعبدا خلال ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، أو التي عقدت في عين التينة إبان الشغور الرئاسي، أو التي عقدت في سان كلو أو حوارات الصف الثاني التي عقدت في سويسرا لم تفض إلى نتيجة أخرجت البلاد من الأزمات التي تتخبط بها أو إلى النتائج التي انعقدت من أجلها. ويمكن القول أن بعض هذه الحوارات لم يكن سلبيا، اذ أنه أقرب إلى أن يكون تمرينا عقليا ليساعد على إنتاج الأفكار وكشف النيات وتعميق فهم القوى لمواقف أخصامها، لكن تلك الحوارات لم تصل الى إنتاج حلول، علما أن ثمة حوارات أخرى أنتجت حلولا مثل حوار الدوحة وقبله حوار الطائف، لكن هذه الحوارات المنتجة كانت انفاذا لقرارات اقليمية ودولية كبيرة، فمن اي صنف من التنفيذ يمكن وضع دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى الحوار؟


من حيث الشكل، لا يبدو واضحا ما يرمي إليه الرئيس بري فهو قال "سنأخذ رأي الزملاء والكتل النيابية كافة بموضوع الحوار فإذا كان إيجابياً سوف احوّل جلسة الخميس المقبل الى جلسة للحوار في ساحة النجمة في مجلس النواب"، فهل يقصد تحويل الهيئة العامة برمتها إلى هيئة حوار؟ أم يقصد دعوة الكتل إلى الموافقة على طاولة حوار وطني؟
المضمون الحرفي لما أعلنه بري هو أكثر ميلا إلى الاعتقاد أنه يدعو إلى تحويل الجلسة العامة إلى جلسة حوار وليس الدعوة الى طاولة حوار يشارك فيها الاقطاب، وليس من المفيد بحسب أوساط نيابية أن تتحول الهيئة العامة إلى منبر حوار لأنها ستشكل منبرا خطابيا مفتوحا يحتاج الى حناجر قوية ومزايدات واستعراضات شعبوية وسيكون المجلس الصورة الأمثل لديمقراطية الغوغاء التي تحدث عنها سقراط. اما الذهاب إلى طاولة حوار وطني فهو إيجابي وأكثر إنتاجية من الصيغة الأولى لأنه يوفر الفرصة الهادئة والايجابية لتبادل المواقف بين الكتل الممثلة للاحزاب السياسية.

إن شرط نجاح هذه الخطوة هو توفر ارادة البحث عن مخرج توافقي لدى هذه القوى والتراجع عن خياراتها الرئاسية التي اعلنتها رسميا أو لم تعلنها، فالحوار يعني البحث عن فرصة توافق وإمكانية هذا التوافق والاستعداد له، وأيضا من شروط النجاح ايضا جاهزية القوى الإقليمية والدولية المعنية بلبنان للرمي بثقلها على القوى المحلية والضغط عليها للوصول إلى لحظة توافق.

تعتقد هذه الاوساط أن القوى الداخلية الأساسية المعنية بالملف الرئاسي لا تزال في طور المرحلة (أ) ولم تقرر بعد الانتقال إلى المرحلة (ب)، والمرحلة(أ ) التمسك بخياراتها الرئاسية الأساسية والاستمرار في حالة التصلب بهدف تراجع القوى الأخرى . اما المرحلة (ب) فهي الانتقال إلى البحث في خيارات رئاسية توافقية يلتقي عليها الجميع.

لا شك أن المرشحين الجديين لرئاسة الجمهورية هما الوزير السابق سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزاف عون، اللذين لا يمثلان خيارات توافقية لغاية اللحظة انما يشكل كل منهما خيارا لفريق سياسي. والتوافق المنشود والذي يمكن ان يكون هدفا لطاولة حوار وطني، هو العمل على تحويل واحد من المرشحين إلى خيار توافقي أو في حال التعذر البحث عن شخصية ثالثة يلتقي عندها الفريقان.

فهل باتت هذه الوجهة ناضجة ومؤاتية؟ تجيب الأوساط السياسية بالنفي، مشيرة في الوقت نفسه إلى ان حلفاء الرئيس بري سيعلنون موافقتهم على دعوته للحوار ليس لأنهم مقتنعين بأهمية الحوار فعلا بل لأنهم لا يرون من المناسب إجهاض دعوة حليفهم، اما القوى الأخرى المعارضة والتيار الوطني الحر فلم تتضح وجهة موقفها لغاية اللحظة بعد رغم بعض التصريحات الإيجابية التي اصدرتها من دعوة بري للحوار.