شاءَ الرئيس الفرنسي أن يضعَ الأمور في نصابها، فرأى أنّ هناك محاولات حثيثة من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للقيام بكل شيء في لبنان، مؤكداً أن الأخير لم يتنازل للذين "يريدون البقاء والإبتزاز".
هنا، قد يكونُ كلام ماكرون موجّهاً إلى جهات عديدة لم تُسهّل الاستحقاقات وساهمت في "فرملة" العمل ضمن المؤسسات الدستوريّة. في المقابل، قد تكون في كلام ماكرون أيضاً رسالة موجهة بشكلٍ غير مباشر باتجاه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، الأمر الذي قد يحملُ موقفاً ضمنياً بأن فرنسا ليست في وارد القبول بالأخير رئيساً للجمهورية.
في الواقع، فإنّ ما صرّح به ماكرون إنّما يحملُ أبعاداً كبيرة تستدعي من مختلف الأفرقاء ومن بينهم باسيل العمل على "تسوية أوضاعهم"، وإعادة النظر في المسار السياسي ككل. وعليه، فإنّ "السخط" الفرنسي قد يكشف عن أن آفاق الأزمة السياسية في لبنان و"تغييب" الحلول الداخلية لها، باتت تجعل فرنسا تعيد حساباتها في كيفية التعامل، الأمر الذي قد يدفعها أكثر نحو التشدّد أكثر من الفترة الماضية.
على صعيد باسيل، فإنّ ما يمكن قوله هو أن الرسالة الفرنسية وصلت إليه. حتماً، قد يكون "الحراك" الذي يقوم به رئيس "التيار الوطني الحر" مع مختلف الأفرقاء السياسيين عبر اللقاءات المعلنة وغير المُعلنة التي يعقدها، بمثابة خطوة لتثبيت "الوجود" لا أكثر ولا أقل، علماً أن تلك الزيارات واللقاءات وآخرها مع رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس تيار "المرده" سليمان فرنجية، قد لا تُسفر عن نتائج ملموسة أبداً. إلا أنه في المقابل، من الممكن أن تساهم تلك الزيارات في إعطاء باسيل "صك براءة" من تهمة التعطيل وعدم الحوار، وبالتالي قد يكون ذلك بمثابة مقدمة له أمام الفرنسيين لتأكيد أنه ليس في موقع المُعطّل.
إلى جانب كل ذلك، فإن كلام ماكرون عن العمل على "مشاريع ملموسة" وتحديداً بشأن الكهرباء مع "عدم التساهل" مع الطبقة السياسية في لبنان، قد يكون مقدّمة لأمرين مهمين: الأول وهو أنّ فرنسا تريد مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، إنجازَ ما يمكن من مشاريع تنهضُ بلبنان اقتصادياً، لكن الشرط هنا هو أن تخضع تلك المشاريع لرقابة دوليّة في الطليعة. وهنا، قد تكون تلك المشاريع مباشرة للمواطنين في لبنان، وقد لا تمرّ عبر مؤسسات الدولة وتحديداً عندما يتعلق الأمر بمشاريع الكهرباء. أما الأمر الثاني المرتبط بكلام ماكرون فقد يرتبط بأنّ "عدم التساهل مع الطبقة السياسية" قد يُمهد باتجاه فرض عقوباتٍ أو التضييق مالياً وسياسياً على الذين "يقوّضون الديمقراطية في لبنان"، وبشكل خاص ضدّ الذين يعرقلون انتخاب الرئيس.
وهنا، فإن كلام ماكرون يتقاطع مع بيان مجلس الشيوخ الأميركي الذي دعا قبل أسبوع لـ"محاسبة من يقوضون المؤسسات وسيادة القانون في لبنان عبر فرض عقوبات". وبذلك، فإنّ الإصرار الأميركي - الفرنسي اليوم يكونُ من خلال وضع آلية تعامل جديدة مع السياسيين المعطلين، ما يعني أن الجميع بات اليوم "تحت المجهر" خصوصاً في ظل الأزمة القائمة.
ماذا عن "حزب الله"؟
ومع مختلف الإشارات التي صدرت على أكثر من صعيد، كان اللافت في كلام ماكرون هو أنّه لم يُحمل مسؤولية الأزمة في لبنان إلى أي طرفٍ دون الآخر، في حين أنه لم يُصوّب سهامه في هذا الإطار إلى "حزب الله". أما الأساس فهو ما قاله ماكرون عن الحزب عبر التأكيد أن الأخير "موجود على الصعيد الأمني أو المتستر، وعلى الصعيد الرسمي والمنتخب، ويستفيد من عدم قدرة النظام والآلية السياسية لحل مشاكل الناس". هنا، الكلامُ الفرنسي ليس عادياً عن "حزب الله"، ويشيرُ إلى أن الأخير معني بـ"حل مشاكل الناس" وسط غياب الدولة، وقد يكون هذا الأمر بمثابة اعترافٍ بأنّ الحزب من الأطراف الموجودة رسمياً وانتخابياً، وبالتالي لديه "شرعية الوجود" رغم الأصوات النافية لذلك.
الكلامُ الفرنسي الأخير يمكن أن يشهد منحى تصاعدياً أكبر خلال المرحلة المقبلة. وعموماً، فإنّ العلاقة المتقدمة بين باريس و"حزب الله" قد تكون سبباً في تعزيز النظرة الفرنسية باتجاه الأخير أكثر فأكثر. فعلى مدى عامين تقريباً، تطوّر التواصل بين الطرفين، وكانت هناك لقاءات متبادلة ومُعلنة. وبسبب ذلك، قد يكون الفرنسيون لمسوا عدم "تمترس" الحزب وراء أي طروحات تعرقل انتخاب رئيس للجمهورية أو العمل الحكومي بعكس باسيل. هنا، فإن الدلالات ليست سهلة، وبالتالي فإنّ الكلام من ماكرون بشأن الحزب على هذا المنوال، يعني أن القرار المرتبط بلبنان رئاسياً لن يُهمش رأي الحزب، ما يعني أن الوصول للرئاسة سيكونُ برضى الأخير حقاً وذلك بإصرار دولي وفرنسي بالدرجة الأولى.
أخبار متعلقة :