خبر

حصاد 2022.. اخفاقات وازمات: فماذا ينتظر استحقاقات 2023

ربما تكون كلمة اخفاقات من التعابير التي طبعت العام 2022 على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية. فلبنان مجددا فشل في تخطي أزماته التي تتفاقم يوماً بعد يوم، بفعل المناكفات السياسية وتصفية الحسابات والتي من المؤكد أنها ستنتقل بقوة إلى العام 2023، لأن ثمة من يرفض مراجعة حساباته والتعالي عن المصالح الشخصية الضيقة لصالح المصلحة الوطنية.

 

يدخل اللبنانيون العام 2023 من دون رئيس للجمهورية ومن دون حكومة كاملة المواصفات، في وقت بلغت الانهيارات ذروتها في المؤسسات بفعل الاضرابات التي نفذها القطاع العام والاعتكافات في السلك القضائي والازمة التي تمر بها المستشفيات والقطاع الدوائي، وكل ذلك من جراء سوء الأوضاع المادية المتصلة بالأزمة المالية التي عصفت بالبلد منذ العام 2019 وتعثرت حلولها نتيجة المصالح المتضاربة للقوى السياسية.

 

على المستوى السياسي، لم يستبشر أحد خيراً أن القوى السياسية سوف تضع خلافاتها جانبا وتتفق على انتخاب رئيس للجمهورية. سيدة الموقف كانت سياسة التحدي ومعادلة الامر لي أو الفوضى التي اعتمدتها كتل سياسية بارزة. عشر جلسات انعقدت في المجلس النيابي لانتخاب رئيس، كانت جلسات هزلية، والحبل على الجرار في العام المقبل اذا بقيت المواقف على ما هي عليه من رفض للحوار بذرائع مختلفة وترقب لتسويات المنطقة. ولا يختلف الوضع في الملف الحكومي، فعندما كلف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف حكومة بعد الانتخابات النيابية، صبت الاجواء كلها في خانة تعذر التشكيل رغم كل المساعي التي بذلت من ميقاتي لتذليل العقبات مع بعبدا وميرنا الشالوحي، ومن حزب الله تجاه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أيضاً لتليين موقفه والتراجع خطوة الى الوراء، لتنتهي الامور بفراغ رئاسي وحكومة تصريف اعمال يعطل وزراء التيار العوني اجتماعاتها رغم دستوريتها بحسب ما يؤكد الخبراء الدستوريين الذين يعتبرون ان بدعة المراسيم الجوالة التي يطالب بها النائب باسيل ليست الا هرطقة دستورية.

 

وفي خضم التخبط السياسي والذي يبدو أنه سيكون طويل الأمد، فإن الحال على المستوى الاقتصادي لم تكن أفضل، فمجموعة البنك الدولي أعلنت أن الخسائر المالية التي يعاني منها اقتصاد لبنان وماليته العامة، تعادل 3 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2021.وذكر البنك في تقرير نشره في تشرين الثاني الماضي، أن إجمالي الخسائر المالية للبلاد وصل إلى 72 مليار دولار، داعيا إلى ضرورة إعادة هيكلة القطاع المصرفي المحلي.

 

لا شك أن مساعي كثيرة بذلت من قبل رئيس الحكومة ونائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي لاخراج لبنان من نفق أزماته المالية والاقتصادية والنقدية، عبر إقرار الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي واقرار الاصلاحات المطلوبة من لبنان، الا ان الامور لم تسر على النحو المنشود. صحيح أن تعديل أحكام السرية المصرفية قد أقر ونشر في الجريدة الرسمية إلا أن ثمة رزمة مشاريع تنتظر أن يفرج عنها، علما أن صندوق النقد الدولي يطالب بضرورة الإسراع والعمل على إصدار قانون موازنة 2023 لا سيما وأن موازنة العام 2022 التي أقرت تأخرت نحو 9 أشهر عن موعدها الدستوري. أما الكابيتال كونترول فيرحل من جلسة للجان المشتركة إلى أخرى بحج مختلفة يتصل بعضها بمعارضة بعض الكتل النيابية للحكومة، والأمر نفسه سيتكرر مع قانون إعادة هيكلة المصارف، علماً أن المجلس النيابي سيكون عاجزا عن إقرار أي قانون في ظل الشغور الرئاسي، ما يؤشر إلى ان مسار الإصلاحات رهن ملء الشغور في الرئاسة الأولى وتأليف حكومة، وبالتالي فإن مشروع استعادة التوازن المالي لا يمكن أن يحول الى المجلس النيابي، لأن رئيس الجمهورية هو من يحيل مشاريع القوانين التي ترفع إليه من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب.

 

أمام انسداد الأفق، يودع اللبنانيون العام 2022 بانهيار متواصل لليرة أمام الدولار، حيث وصل سعر الدولار الواحد في السوق الموازية إلى أكثر 46 ألف ليرة لبنانية، علماً أن التوقعات السوقية تنذر بالأسوأ. ويودع اللبنانيون هذا العام بصدمة كهربائية تتصل بالتسعيرة الجديدة مع رفع التعرفة من دون ان ينعموا بساعات التغذية (8 ساعات) التي وعدوا بها من وزير الطاقة وليد فياض، وهذا يعني أن الكهرباء ستبقى محكومة بالتمويل في الاعوام المقبلة.

 

ورغم ان ثمة فريق في البلد يعتبر أن طبخة الترسيم أطاحت بحقوق لبنان وثرواته، إلا أن ترسيم الحدود البحرية شكل خرقا في جدار الاخفاقات بالنسبة الى فريق آخر . فشركة توتال إينيرجي، أعلنت أنه في آذار المقبل سيكون هناك 20 موظفًا من الفريق المخصص للبلوك رقم 9، وهي طلبت المعدات التي تحتاجها، وأطلقت مناقصة تخص الحفارة التي ستحفر البئر. لكن في المقابل، ضرب البنك الدولي في تقريره عرض الحائط آمال بعض المتفائلين بايرادات سريعة من قطاع النفط، فاعتبر "ان تعويم القطاع المالي بات أمرا غير قابل للتطبيق نظرا لعدم توفر الأموال العامة الكافية لذلك؛ فأصول الدولة لا تساوي سوى جزء بسيط من الخسائر المالية المقدرة، كما لا تزال الإيرادات المحتملة من النفط والغاز غير مؤكدة ويحتاج تحقيقها سنوات".

 

حقيقة الامر، أن لبنان لن يجد حلولا لأزماته إلا بتدخل الدول المؤثرة. وحتى الساعة لا يزال حراك هذه الدول دون المستوى المطلوب. فالاتصالات التي تقوم بها كل من فرنسا مع السعودية وايران، فضلا عن مساعي قطر مع القيادات اللبنانية والتي تظهرت في الاسابيع الماضية، لا يمكن ان تصل إلى ما هو مرجو من دون دخول اميركي جدي على الخط، فحتى الساعة لا يزال انشغال واشنطن في مكان آخر أبعد من لبنان واكبر منه وأهم منه بكثير. ففي ترتيب الاولويات الأميركية يأتي لبنان في أسفل السلم، تقول مصادر مطلعة على الاجواء الاميركية لـ"لبنان24"، وهذا يعني ان الانتخابات الرئاسية قد تتأخر الى حدود الصيف المقبل.

 

وإذا صدقت هذه المعلومات، فهذا يعني أن النصف الاول من العام 2023 لن يحمل اي تطور ايجابي في الملفات الاقتصادية، لا سيما في ما خص تعديل سعر الصرف وموازنة العام 2023 وتعزيز إيراداتها، فالاصلاحات الاقتصادية رهن إنجاز الاستحقاقات الدستورية وما يحيط بها من تسويات.

أخبار متعلقة :