يودّع اللبنانيون مساء اليوم واحداً من الأعوام العجاف الذي قلب حياتهم رأساً على عقب، فالـ2022 على غرار السنوات الأخيرة التي سبقتها، شكلّت مخاضاً عسيراً أربك حياة المواطن اللبناني بمختلف تفاصيلها.
لكن رياح السياسة في لبنان لم تجر بما يتوافق مع مصلحة المواطن ومع محاولة تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها والتي لا يمكن الحديث عن اي حلّ لها قبل استنباط الحلول في الشق السياسي المرتبط بها بشكل وثيق وأكيد، فالحلول في لبنان تكون سياسيةً أولاً ومن ثم اقتصادية.
ولبلوغ الحلّ السياسي، لا بدّ من الانطلاق أولاً من انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية يعيد انتظام العمل المؤسساتي والدستوري في لبنان.
اذاً، تبدو المعادلة واضحة وصريحة: حلّ سياسي يبدأ حصراً بملء الشغور الرئاسي ويليه حلّ اقتصادي قد يكون متعدد الجوانب والاتجاهات.
وفي اطار الحديث عن الحلّ السياسي، لا بد من الاشارة الى ان الجلسات الـ10 الانتخابية التي دعا اليها الرئيس نبيه بري، على الرغم من عدم تمكنها من ايصال اي شخصية الى بعبدا، الا انها في الحدّ الأدنى جعلت من الصورة الرئاسية أكثر وضوحاً وأكدت عدم امكانية وصول اي شخصية الى سدة الرئاسة اذا كانت تحمل مشروعاً استفزازياً لأي طرفٍ من الأطراف اللبنانية.
وفي هذه الجلسات الـ10، بدا رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه الحاضر الأكبر على الرغم من عدم ورود اسمه في الأوراق الانتخابية الا مرة وحيدة ويتيمة ،وعلى الرغم من ان تمثيله في الندوة البرلمانية مرتبطٌ فقط، وبشكل مباشر في اعضاء "التكتل الوطني المستقل" الذي يمتد من زغرتا الى بشري فالمتن وكسروان.
وفي هذا السياق اشارة واضحة الى نقطتين أساسيتين:
الأولى مفادها ان رئيس الجمهوية في لبنان لا يُصنع بتعداد الاصوات والاوراق وبالبيانات الاعلامية الطويلة منها والمقتبضة.
والثانية، تشير الى ان رئيس الجمهورية في لبنان، لا يُصنع من خلال أعداد الكتل النيابية ذات البعد الطائفي والسياسي الواحد، انما عبر اجماع وطنيّ يتخطى الطائفة والحزب، انطلاقاً من مفهوم ثابت ومتمثل في ضرورة ان يكون قصر بعبدا ساحة لقاء وتواصل بين جميع اللبنانيين.
بناءً على ما تقدم، يبدو ان العام 2022، شكّل غربالاً للأسماء الرئاسية التي يمكن المضيّ بها بجدية وبشكل أكيد، ويبدو فرنجيه واحداً من هذه الأسماء القليلة القادرة فعلاً على تخطي عقبات الجمود السياسي اللبناني.
لذلك ووفقا للمعلومات، يدير فرنجيه معركته الرئاسية بتأنٍ كبيرٍ وبأسلحة سياسية لطالما استخدمها منذ دخوله الى معترك الشأن العام.
ففرنجيه الذي لا يعتبر رئاسة الجمهورية هدفاً مطلقاً، يدرك تماما ان لغات العناد والتقوقع والخطابات الغرائزية، لا يمكن لها ان تعيش طويلاً في لبنان على الرغم من انها قد تشكلّ عامل ربح على الصعيد الشعبوي والنيابي.
كما يعلم فرنجيه جيداً ان المجاهرة بعدم الرغبة في الحوار مع حزب الله والذهاب الى الحوار معه بصورة سرية، يمكن ان تضيف الكثير الكثير الى رصيد أرقامه في الساحة المسيحية، الا انه يفضل الاستمرار بقناعاته الواضحة، والنابعة من اهمية مدّ يد التعاون والحوار للجميع وضرورة التمسك بالمقاومة كنقطة قوة للبنان مع ضرورة البحث في استراتجية دفاعية تحمي المقاومة وتطمئن جميع اللبنانيين.
وانطلاقا مما تقدم، يبدو واضحاً ان فرنجيه يدير معركته بأسلحة الانفتاح والوطنية وهي اللغة الثابتة في خطابه منذ 30 سنة وحتى اليوم.
اما مناوراته ضمن المعركة الرئاسية، فتتمثل بتأكيده انفتاحه على مختلف انواع الحوارات ثنائية كانت ام جماعية، ومن هنا اتى اللقاء الأخير الذي جمعه برئيس التيار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل، ومن هنا ايضا سينطلق لتلبية دعوة بكركي الى اي نوع من انواع الحوار، لاسيما انها سبق ووضعته في اطار الشخصيات التي تمثل الوجدان المسيحيّ في لبنان، كما لتلبية الحوار الممكن ان يعيد الدعوة اليه مطلع العام الجديد الرئيس بري.
كما تتمثل مناوراته بتأكيده امكانية العمل مع الجميع من دون استثناء، وهو بذلك يؤكد ان النهوض بالبلاد يتطلب التعاطي بايجابية والعمل بايجابية بين مختلف مكونات هذا البلد، فمحاولة تغييب اي طرف، معادلة تم تجريبها واختبار نتائجها التي ساهمت بطريقة او أخرى في وصول لبنان الى واقعه الحاليّ.
وختاما، لا يخفى على احد ان فرنجيه وانطلاقا من تمسكه بالمصلحة الوطنية يدرك تماما كيف يتحاور مع الخارج بأبعاده المتعددة انطلاقا من ايمانه بضرورة المحافظة على الطائف وتطبيقه كاملاً.
أخبار متعلقة :