خبر

زيادة أجور العاملين في القطاع العام: حقّ بديهي للموظّف.. فما رأي المعنيين!

 
أحمال ثقيلة وضعتها سنة 2022 على كاهل الموظفين في القطاعين العام والخاص في لبنان. ففي ظلّ ارتفاع سعر صرف الدولار ووصوله إلى 46000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد، فضلاً عن كل ما تحمّله المواطن من أعباء معيشية واقتصادية تزاحمت ما بين المحروقات، الأدوية، وعدد من السلع الأساسية التي باتت كماليات بالنسة للكثيرين، كان لا بدّ من التحرك على المستوى الرسمي. وعلى أرض الواقع، نال موظفو القطاع الخاص زيادات على أجورهم، بينما تم تخصيص مساعدات اجتماعية لموظفي القطاع العام، الذين باتت رواتبهم سحيقة نسبة للواقع الحالي. فهل الزيادة على أجور العاملين في القطاع الرسمي هي الحل المناسب؟

التناقض سيد الموقف
بحسب الخبير الإقتصادي البروفسور بيار الخوري، لا يمكن النظر الى موضوع زيادة الاجور في القطاع العام الا من زاويتين متناقضتين تماماً.

وقال في حديث لـ"لبنان 24"، إن "الزاوية الاولى هي زاوية حقوقية اجتماعية وتتصل بحقوق الموظف وبمستوى الانحدار الذي بلغته الاجور في القطاع العام بعد سنة 2019. فكما بات معلوماً، الاجور مقومة بعملة ثابتة انخفضت باكثر من 96% منذ بداية الازمة. اما القيمة الشرائية للاجور فقد تكون انخفضت اكثر خاصة بعد تحرير الخدمات الحكومية التي كانت تحتسب عند السعر الرسمي للدولار عند 1500 ليرة، وسوف تنخفض اكثر مع اعتماد السعر الجديد للدولار الرسمي عند 15 الف ليرة وتأثيره على مستوى الاسعار".

وأضاف الخوري: "بالتالي، للموظف حق اخلاقي وقانوني في تحصيل ما يحفظ كرامته المعيشية، مع أهمية التشديد على أن رفض أي زيادة غير استثمارية في نفقات القطاع العام له علاقه بشكل اساسي بكيفية الحفاظ على الدخل المستدام للموظف والعامل، ولا علاقة له البتة بالحق القانوني والاخلاقي والاجتماعي للموظفين أكان في القطاع العام او في اي قطاع اخر".

وفي هذا الاطار، إعتبر الخوري أنه "علينا ان نعترف من دون مواربة ان وضع القطاع العام في لبنان هو وضع غير سوي من ناحية عدم توازن كتلة الاجور كما كانت عليه قبل الازمة مع حجم انتاجية القطاع العام، حيث كانت تدفع الدولة حوالى 6 مليارات دولار سنويا لتمويل الاجور، وهو ما كان يعادل حجم العجز في الموازنة وقتذاك، تماماً مثل خدمة الدين من الفوائد. وهذان البندان في الموازنة ربما هما المسؤولان عن الخراب الكبير بشكل مباشر".

وقال إن "المسؤولية غير المباشرة تقع على طريقة ادارة المال العام والتي لم تلتفت الى المخاطر المستقبلية للانفاق بهذه الطريقه في ظل التنافس على حصص كل وزارة وكل طائفة من الانفاق العام".

زيادة من صناديق خاوية
وأضاف الخوري: "دفع الاجور من صناديق خاوية، وهو المعبّر عنه اليوم بزيادة كتلة الاجور من نحو 9000 مليار ليرة الى نحو 18000 مليار ليرة لا يقابله اولا، مداخيل مضمونة لتمويله ولا يمكن قراءة الجدوى الاقتصادية من زيادة كهذه بغض النظر عن حقوق العاملين في القطاع العام"، لافتاً إلى أن زيادة الاجور بهذه الطريقة "تنتمي الى ذلك العقل المنفق من اجل تثبيت دعائم السلطة دون الاخذ بعين الاعتبار ضرورة التوازن بين اعادة انتاج السلطة من ناحية، وبين مخاطر الانفاق غير المجدي في القطاع العام".

وشدد على أن "الزيادة سوف تفاقم بلا شك من حجم طبع النقد وستخلق قوة استهلاكية اضافية في بلد عاد مستوى الاستيراد فيه الى ما كان عليه قبل الازمة وهنا بيت القصيد"، بحسب الخوري، قائلاً إن "كل زيادة في انفاق الحكومة غير الاستثماري ولا تترافق مع زيادة حقيقية في انتاجية القطاع العام سوف تؤدي الى زيادة في المستوردات والى زيادة مقابلة في التضخم".

الإصلاحات هي الحلّ الوحيد
وتابع: "اذا كانت الدولة صادقة في رغبتها في رفع مستوى الاجور في القطاع العام يتوجب عليها فوراً ومن دون ابطاء، الشروع في الاصلاحات الاقتصادية الضرورية من اجل تكبير الكعكة الاقتصادية التي نأكل منها جميعا، بما في ذلك جهاز موظفي القطاع العام، اما من كعكة متناقصة الحجم سنة بعد اخرى خاصة منذ اندلاع الازمة، فأي زيادة في الاجور هي زيادة وهمية يبتلعها التضخم بشكل سريع ولا يبقى منها في جيوب من قبضها الا الحسرة".

وختم الخوري مشدداً على أن "أي زيادة في الاجور في القطاع العام لا تترافق مع سياسات واضحة لكبح التضخم واصلاح المؤسسة العامة وضرب الفساد من جذوره وتعطيل البنى السياسية التي تحمي الفساد هو استمرار في ارتكاب نفس الجريمة التي دفع ثمنها موظفو القطاع العام كما كل الموظفين في لبنان، وبشكل خاص المتقاعدين الذين ضاعت تعويضات نهاية خدمتهم في الازمة المصرفية العنيفة التي نعيشها".

إبحثوا عن الواردات
من جهته، شرح مدير عام وزارة المالية جورج معراوي هذه الزيادة على الرواتب قائلاً: "إذا كان الراتب التي يتقاضاه الموظف هو 8 ملايين يصبح راتبه 20 مليون ليرة وفقاً للسقف الذي تمّ وضعه للحصول على المساعدة الاجتماعية وهو 12 مليون ليرة"، موضحاً أنه في الدولة لا بدل لغلاء المعيشة بعد ولا يتم التحضير لسلسلة رتب ورواتب جديدة لغياب التمويل خاص بها "وإلا بيصير فينا متل 2017 وكانت سبباً من أسباب عجز الدولة".

وقال إن هذه ليست المرة الأولى التي يحصل فيها موظفو القطاع العام على مساعدات، لافتاً إلى أن"الموظفين يحصلون أصلاً منذ حوالي السنة على مساعدة اجتماعية كانت عبارة عن راتب ونصف راتب، وباتت الآن الراتب مع مساعدتين اجتماعتين"، مشدداً على أن عن مدخول الدولة الذي سيوفّر الأموال لهذه المساعدات مصدره الرسوم الجمركية، الضرائب، حركتي المطار والمرفأ.

صحيح هناك ضغط على الدولة ولكن إن لم تؤمن أقل ما يمكن للموظفين فهناك المشكلة الأكبر لأن مصالحها ستتوقف"، يقول معراوي، الذي لفت في معرض حديثه إلى أن كل الأمر يرتبط بواردات الدولة.

فقال: "تمّ رفع الرسم الجمركي لتأمين واردات جديدة الدولة كي تتمكن من تأمين مصاريفها ولتغطية الأجور على حساب إنشاء مشاريع استثمارية في البلد.
 
"ترقيع" الوضع
وأشار معراوي إلى أن "التحدي الأكبر الذي تواجهه الدولة هو أن تتمكن من تحصيل إيرادتها وتزيد الجباية، إلا أن المواطن "تعبان" في الوقت عينه، ما يحتّم على الدولة مسك العصا من المنتصف".

وأكّد أن هذه الزيادات لا تكفي الموظفين، خاصة في ظل التوقعات بارتفاع سعر صرف الدولار ما سيضع الدولة أمام تحدّ جديد، معرباً من تخوفه من إضرابات واعتكاف الموظفين عن العمل".

وختم معراوي: "الآن يُضرب الراتب بـ3، بينما الغلاء على الأرض بات يضرب بـ30، وبالتالي فهذه الزيادات من شأنها فقط "ترقيع" الوضع ولكنها ليست حلاً جذرياً، خاصة بعد رفع سعر صيرفة في المصارف إلى 38000 ليرة".
 
إذاً، لا بدّ من الإعتراف بأن الواقع الحالي يعاني من جوانبه كافة ليبقى المظلوم الوحيد، الموظف. ففي حين أمل موظفو القطاع العام بأن تخفف هذه الزيادة على أجورهم من وطأة الأزمة المعيشية، يبدو أنها في نهاية المطاف لن تصبو إلى الآمال، على الأقل في الوقت الراهن.