كلّ الأنظار ستكون منصبّة نحو باريس، التي يتوقع أن تستضيف منتصف الشهر الجاري، اجتماعًا "محوريًا" يجمع إلى فرنسا، "الراعية الإقليمية" للملف اللبناني، الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ودولة قطر، فهل يفضي إلى حلّ، أو بالحدّ الأدنى، يفتح الأبواب أمام التسوية؟!
صحيح أنّ المعلومات عن اللقاء الرباعي في باريس بدأت تتسرّب منذ العام الماضي، إلا أنّ المعطيات المتوافرة تشير إلى أنّ الأمور على خطّه "غير ناضجة" بعد، وإن حُدّد موعد "مبدئي" له منتصف الشهر، حيث لا تستبعد بعض الأوساط إمكانية تأجيله إلى الشهر المقبل، في ظلّ "عدم وضوح" حول ما يمكن أن ينتج عنه، علمًا أنّ معلومات متضاربة انتشرت في اليومين الماضيين حول مشاركة الدوحة من عدمها فيه، بعد الحراك الذي قادته في الأسابيع الأخيرة.
ويرى المتابعون أنّ اللقاء "ضُخّم" في الإعلام، وأعطي أكثر من حجمه، حتى إنّ بعض اللبنانيين بات يتوقّع أن ينعكس تلقائيًا "انفراجًا" للأزمة، وربما انتخاب رئيس، وهو ما قد لا يكون مُتاحًا، خصوصًا أنّ أقصى ما يمكن أن يخرج عن اللقاء هو بيان قد يرسم "خارطة طريق" على القوى اللبنانيين اتباعها من أجل تسريع الخطى لانتخاب رئيس، أو يكتفي بتحديد "المواصفات المطلوبة" في الرئيس العتيد، في تكرار لمواقف سبق أن أطلِقت في أكثر من مكان.
ويشير هؤلاء إلى أن من المُستبعَد أن يقع المشاركون في اجتماع باريس في "فخّ" لعبة الأسماء، التي يريد البعض جرّهم إليها، لأنّهم يدركون تمام الإدراك أنّ أيّ أسماء ينبغي أن تخرج من الداخل بالدرجة الأولى، كما أنّهم يعلمون أنّ طرحهم أي اسم قد يصطدم بـ"فيتو" من بعض القوى السياسية، ما سينعكس "خيبة" على مستوى حراكهم، الذي قد يلتحق بذلك بـ"المبادرة الفرنسية" التي بقيت "عصيّة" على التنفيذ في أكثر من مكان.
رهانات "غير مجدية"؟!
مع ذلك، ثمّة من يتحدّث عن دلالات "رمزية" لاجتماع باريس المرتقب، من شأنها منحه أهمية "استثنائية"، فهو يؤكّد أنّ الاهتمام الدولي والإقليمي بلبنان موجود، رغم إصرار بعض الأطراف والقوى على تعميم أجواء "معاكسة"، وهو يدلّ على أنّ "أصدقاء لبنان" جاهزون لمساعدته، متى وجدوا الفرصة سانحة لذلك، وهو ما يتطلب مقوّمات تبدأ من الداخل أولاً، وفق مبدأ الفرنسيين الشهير "ساعدوا أنفسكم لنساعدكم".
لكن ثمّة في المقابل من يعتبر أنّ هذا الاهتمام قد لا يكون كافيًا، طالما أنّه لا يُترجَم "حراكًا جديًا" على أرض الواقع، وطالما أنّ القوى المعنيّة تكتفي ببيانات الحثّ، إن جاز التعبير، بعيدًا عن ممارسة أيّ "ضغط" قد يكون مطلوبًا في هذه المرحلة، علمًا أنّ هناك من يعتبر "التعويل" على لقاء باريس في غير مكانه أيضًا، طالما أنّه يستثني جهات فاعلة في الملعب اللبناني، وعلى رأسها إيران التي تمتلك حق "الفيتو" من خلال "حزب الله".
وهنا، يتوقف كثيرون عند الكلام "المعبّر" الذي صدر عن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، وتبعه كلام بالروحيّة نفسها من كتلة "الوفاء للمقاومة"، حول أنّ الرهانات على الخارج "غير مجدية"، فلا مفاوضات الاتفاق النووي التي يربطها اللبنانيون باستحقاقاتهم دومًا ستغيّر شيئًا، ولا الحوار السعودي الإيراني، إن حصل، سيحمل الحلّ سريعًا، وهو كلام قد يعني أنّ "حزب الله" ينفض يده سلفًا من أيّ "تسويات" لا يكون جزءًا منها، ولا ترضيه.
في النتيجة، لا شكّ أنّ لقاء باريس المرتقب يحمل بين طيّاته الكثير من الدلالات المهمّة، في ذروة الأزمة اللبنانية، أهمّها أنّه يدلّ مرة أخرى على أنّ لبنان "غير متروك"، رغم كلّ الحملات الدعائية المخالفة. لكنّ الأكيد أنّ "الرهان" عليه فقط لتحقيق "الخرق" ليس في مكانه، فالمطلوب أن تبدأ المبادرات من الداخل، وهو ما يتطلب بالدرجة الأولى، تحرير "الحوار" من قيود قد تكون واقعيّة في جانبٍ ما، لكنّها تبدو سطحيّة أمام عمق الأزمة!
أخبار متعلقة :