ربّما لا يعرف معظم اللبنانيين أنّ التنقيب عن النفط ليس محصورا فقط بشركة «توتال إنرجيز»، إلا أنّ الشركة موكلة بالتنقيب في عدد لا يستهان به من البلوكات. فما حيثيّة حضور الشركة في هذا الملف، وما أهميّة ذلك الحضور للبنان؟
المنسق العام الوطني لـ «التحالف اللبناني للحوكمة الرشيدة في الصناعات الإستخراجية» مارون الخولي أوضح لـ «الديار» أنّ حضور شركة «توتال إنرجيز» في لبنان أساسي في عملية التنقيب، وخصوصا أنّها تمثل الشريك الأكبر في الكونسرتيوم المؤلف من «توتال» و»آني» و»نوفوتاك» سابقا من جهة، وهي جزء لا يتجزأ من اتفاقية ترسيم الحدود بين لبنان والعدو من جهة أخرى، فبالإضافة إلى حضورها التجاري، تتمتّع الشركة بحضور سياسي بارز يقف خلفه قرار فرنسي رسمي بضرورة وجود استثمار في حقول النفط والغاز في لبنان، معتبرا أنّ لبنان محظوظ بوجود شركة بهذا الحجم كواحدةٍ من أكبر خمسٍة وعشرين شركةً في العالم تستثمر في المياه الإقتصادية، وهذا مكسب اقتصادي معنوي كبير يدعم الاقتصاد الوطني ويحفّز الاستثمار الأجنبي في دورات التراخيص المقبلة في البلوكات البحرية التي عرضتها وزارة الطاقة والمياه وهي: 1،2،3،5،6،7،8 و10.
كثرت علامات الاستفهام حول عمل الشركة الفرنسية في لبنان، لا سيّما بعد رمادية التقارير التي صدرت عنها في ملف التنقيب، ما جعلها في دائرة التشكيك والغموض، فما القصة؟
جزم الخولي أنّه لا يمكن فصل السياسة عن النفط، فحكومات الدول النفطية ترسم سياسات على أساس مصالحها النفطية، وبالمقابل فإنّ شركات النفط في الدول الكبرى تؤثر بشكل مباشر في صنّاع القرار على المستوى التنفيذي والتشريعي، وهذا يوضح وضعية شركة «توتال إنرجيز»، وأكبر دليل دخولها طرفا رئيسيا في اتفاقية سياسية دولية «ترسيم الحدود»، وهذا يشمل استخدام النفط كوسيلة ضغط مباشرة أو غير مباشرة في المفاوضات التجارية وغيرها.
وأجاب الخولي أنّ «توتال إنرجيز» هي الوحيدة المخوّلة للتنقيب في البلوك رقم «9» نسبة لاتفاقية الترسيم، وفي البلوك رقم»4» كمكوّن من ثلاثة شركاء، ولكن هذا لا ينسحب على باقي البلوكات وهي: «1 و2 و3 و5 و6 و7 و8 و10»، والتي يعرضها لبنان في دورات تراخيص مفتوحة لكلّ شركات التنقيب العالمية، معربًا عن أمنيته أن يكون للشركة استثمار جديد في البلوكات المعروضة، ودخول شركات أميركية من أجل خلق استقرار سياسي طويل الأمد في المنطقة، مشيرا إلى أنّ «الشراكة» القطرية مهمة أيضًا لتمثيلها مصالح الخليج العربي، مستدلّا حول ترابط السياسة مع النفط، بخروج شركة «نوفوتاك» بسبب العقوبات الأميركية والدولية على الشركات الروسية إثر أزمة أوكرانيا، لتبقى شركة «توتال» الفرنسية و»آني» الإيطالية واحتمال دخول شركة قطر للطاقة.
وعد وفد شركة «توتال» رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون باستقدام منصة الحفر ابتداء من العام 2023، ولا يزال ينتظر اللبنانيون أيّ إشارة أو خبر رسمي أو بيان عن الشركة منذ توقيع إتفاق الترسيم، فيما هناك من لا يزال يشكك بالبدء في الحفر أصلا. في هذا الشأن، أشار الخولي إلى أنّ إدارة «توتال إنرجيز» اتخذت سياسة أكثر شفافية بعد عملية الترسيم، واختلف أداؤها الإعلامي، أقلّه من البلوك 4 إلى البلوك 9، بإعلانها في 14 تشرين الثاني 2022 عن بدء التحضير لأنشطة الإستكشاف، وتجهيز الفِرَق، وشراء المعدّات المطلوبة، والإستحصال على سفينة الحفر، وهذا الإعلان يدل على التزام جدّي لشركتي «توتال إنرجيز» و»آني» ببدء العمل، بعد إزالة المعوّقات والتهديدات «الإسرائيلية» التي منعت شركات الكونسرتيوم قبل عام من تنفيذ العقد مع لبنان في البلوك رقم «9»، كما يبدّد الشكوك التي خلقتها الشركة في البلوك رقم «4»، وإزالة الإلتباس الناتج عن ضبابية التقارير التي صدرت عن الشركة بخصوص الإستكشاف، ولا سيّما أنّ النتائج الأولية للحفر أثبتت وجود الغاز على أعماق مختلفة داخل الطبقات الجيولوجية للبئر في البلوك رقم «4» شمال لبنان، وتمّ التثبت من وجود العناصر الأساسية لنظام جيولوجي بترولي في البحر اللبناني. علمًا أنّ أعمال الحفر تمّت فقط على عمق 1500 متر في المياه، وتمّ اختراق الصخور بسماكة معينة، لكن لم تسعَ حينئذ شركات التنقيب إلى زيادة الحفر الى أعماق أخرى، بالرغم من المعلومات المتوافرة التي تشكل قيمة عالية للاستمرار بالاستكشاف.
متى يبدأ التنقيب؟
ما الذي يؤخر بدء الشركة بالتنقيب، وهل ستباشرعملها قريبا؟ وفق الخولي، لا شيء يؤخر عمل شركة «توتال إنرجيز»، فهناك آلية معروفة في مسار التنقيب، وبحاجة إلى أمرين، الأول: معدّات، والثاني: وقت، وبالتالي فإنّنا نتكلم عن أشهر معدودة، وهذا ما أفصحت عنه الشركة بأنّها ستعمل على بدء التنقيب في إطار مشروعها للغاز البحري في البلوك رقم «9» في لبنان، وستختار المورد لمنصة حفر جديدة في الربع الأول من العام 2023، و»قُدمت طلبيات للموردين من أجل المعدات المطلوبة». وفي حال وصول المنصة، نحن أمام شهرين تقريبا لعملية الاستكشاف بأخذ عينات من الطبقات الجيولوجية في قعر البحر لفحصها في مختبرات فرنسا، وتحديد نسبة الهيدروكربون أي الغاز أو النفط، أو الإثنين معاً، أي العثور على خزّانات في تكوين حقل «قانا»، الذي يشكّل الهدف الرئيسي للبئر الإستكشافيّة في المياه اللبنانية، وفي حال وجود الغاز في هذه البئر، سيتم التثبّت من وجود العناصر الأساسية لنظام جيولوجي – بترولي في البحر اللبناني، بما يعني وجود مكمن غازي.
هل لبنان على موعد مع خبر سار من الشركة في هذا الشأن؟ يجيب الخولي: «نعم أعتقد أنّنا على موعد مع خبر سار، وهذا الأمر لم يعد سرّا أو تكهنا، إنّما منطق الأمور، بأنّنا نتقاسم ذات طبيعة الطبقات الجيولوجية وأوجه التشابه بين حقل «قانا» وبين ما هو موجود في الحوض الجنوبي في حقل «كاريش»، ما يعزّز هذا الإعتقاد الواقع الجيولوجي المشترك لهذا الجزء من البحر اللبناني وبحر فلسطين المحتلة، وانطلاقا مما يختزنه حقل «كاريش»، ما يرفع منسوب التفاؤل للوصول إلى مكمن غازي، وفي حال وجود المكمن سنكون أمام مسار طويل، وفيه الكثير من المراحل التحضيرية قبل أن نصبح بلداً منتجا للنفط.
هل يمكن اعتبار تحريك لبنان لهذا الملف كنوع من الضغط على الشركة لبدء العمل قريبا؟
في هذا الجانب، يجزم الخولي أنّه أمام التعثر السياسي، والفراغ في موقع الرئاسة، والحكومة المشلولة، لا قدرة للبنان لمتابعة هذا الملف بشكل رسمي له طابع الفرض على شركة «توتال إنرجيز» للوفاء بالتزاماتها وفقا للاتفاق ومواعيده أو شروطه، وهذا الوضع يسمح للشركة بالتفلّت بشكل محدود، يخدم ظروفها التقنية أو اللوجستية، إلّا أنّنا في البلوك «9» أمام أمرين:
- الأول: تجاري وفرضية وجود مكمن غازي عال جدا، وهذا أمر له أهميته على الصعيد التجاري، وعملية الأرباح وارتفاع أسعار أسهم الشركة.
- الثاني: إستكمال إتفاق ترسيم الحدود، بحيث أن عملية التنقيب عن النفط والغاز في هذا البلوك أساسية، وقد تخلّى من أجلها لبنان عن الخط 29، وعدم التنقيب فيه هو بمثابة انقلاب على الإتفاق، ولن تتحمّل الشركة ومن ورائها الدولة الفرنسية عدم تنفيذ هذا الالتزام، والذي شكل أساس إتفاق الترسيم.
وبالنسبة للمداخيل، قال الخولي إنّه لن يكون هناك مداخيل متأتية من الإستكشاف، بل من الإستخراج، والذي يحتاج أقلّه إلى خمس سنوات، ولكننا على موعد مع مكسب معنوي كبير، في حال تم استكشاف البئر، بحيث سنشهد فورة في دورة التراخيص المقبلة على مستوى حضور شركات تنقيب عالمية منها الأميركية، وستليها هجمة إستثمارات أجنبية في هذا الحقل، وفي قطاعات كثيرة مرتبطة بها، بل أكثر من ذلك ستعيد للإقتصاد الثقة، وستفتح للدولة اللبنانية آفاق إقتصادية ومالية غير متوقعة، وسنكون على موعد مع مفصل تاريخي في حياة اللبنانيين في الأشهر القادمة، أوّل انعكاساتها سيكون استعادة القوة الشرائية لليرة بحدود كبيرة.(الديار)
أخبار متعلقة :