عند كل أزمة يحاول اللبنانيون، الذين لا تعنيهم كثيرًا "سياسة المختار والناطور"، أن يفهموا حقيقة أمر بعض، الذين يصرّون على "تطليع" الحمار إلى المأذنة من دون أن يكلفّوا أنفسهم عناء إنزاله، ويتركون هذه المهمة على عاتق الآخرين.
وهذا البعض، الذي لا يرى سوى القشة في عيون الآخرين، يتغاضى عن رؤية الخشبة في عينيه. وهذه الخشبة كافية لتعمي بصره وبصيرته في آن، وتحول دون تمكّنه من التمييز بين ما هو أبيض وبين ما هو أسود، وبين ما هو صحّ وما هو خطأ، حتى أنه بات مقتنعًا بأنه وحده على حقّ فيما الآخرون، الذين يخالفونه الرأي، هم على خطأ.
ففي مسألة انعقاد مجلس الوزراء في جلسات طارئة وملحة وضرورية لا يرى هذا البعض أن ثمة حاجة إلى عقد هكذا جلسات لتسيير شؤون الناس. فالأمر بالنسبة إليه ينحصر في أن "الآخرين" لا ينامون الليل وهم يفكرون كيف السبيل إلى ضرب صلاحيات رئيس الجمهورية، على قّلتها. لا يهمّه كثيرًا، على ما يبدو، أن يتأمن الدواء لمرضى السرطان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مرضى غسيل الكلى.
أمّا عن حاجة الناس إلى ساعة إضافية من كهرباء قد أصبح الحصول عليها ضربًا من ضروب المحال فحدّث ولا حرج. فمن شرب "بحر" الـ 24 ساعة تغذية من دون أن يرّف له جبين لن يغصّ، طبعًا، بـ "ساقية" كمّ ساعة كهرباء يرى أنه لن تغيّر شيئًا في حياة اللبنانيين.
هذا هو منطق هذا البعض. وبهذا المنطق أدار وزراؤهم المتعاقبون على وزارة الطاقة أمور الناس. وبفضل سياساتهم التعطيلية حُرم اللبنانيون بما هو حق طبيعي في البلدان، التي تعرف كيف تحاسب المقصرّين حتى لا نقول الفاسدين والمبذّرين.
وحتى هذه الساعة لم يستطع اللبنانيون أن يفهموا لماذا يصرّ رئيس "التيار الوطني الحر" على أن تكون وزارة الطاقة من حصتّه الوزارية، وهو كان على استعداد لكي يخرّب الدنيا في كل مرّة كان يشعر بأن هذه "الوزارة الدسمة" ستؤول إلى غير المحسوبين عليه، وهم في المناسبة أشدّ الموالين له.
وما لم يفهمه اللبنانيون أيضًا كيف أن مجرد عقد جلسة لمجلس الوزراء لتلبية حاجات الناس، الذين يعيشون أسوأ أيام حياتهم، وهم في أمس الحاجة إلى من يلتفت إلى أمرهم أكثر من أي وقت مضى، هو ضرب لصلاحيات رئيس الجمهورية. هؤلاء اللبنانيون الساعون وراء لقمة عيشهم بشق النفس يحاولون أن يجدوا تفسيرًا منطقيًا لهذه "الحزورة - الأحجية" فلا يوفقون، لأنهم لم يتوصلوا إلى حل هذا اللغز – الطلسم. فكيف يكون من يسعى إلى تأمين الدواء لمرضى السرطان مثلًا هو من يضرب صلاحيات رئيس الجمهورية ومصادرتها والتعدّي عليها، فيما يدّعي معطّلو انتخاب رئيس للجمهورية أنهم حريصون على هذه الصلاحيات أكثر من غيرهم.
فهذا التناقض غير المفهوم في موقف "التيار الوطني الحر" سببه أن "الأخوان" لا يريدون أن يعملوا شيئًا، ولا يتركون غيرهم يعملون.
إنه بالفعل أمر محيّر.
فإذا كان "التيار" حريصًا بالفعل، كما يدّعي، على صلاحيات رئيس الجمهورية، فما عليه سوى أن يبقى نوابه في قاعة البرلمان عند انتهاء الجلسة الانتخابية الأولى، وألا يكونوا أول المغادرين. بهذه الطريقة يتأمن نصاب الجلسة الثانية، التي يجري فيها التصويت على أساس أن الفوز يكون بـ 65 صوتًا، وهو أمر قد يكون أقرب إلى التحقيق أكثر من الحظوظ المفقودة مع الـ 86 صوتًا المفترض أن يحظى بها أي مرشح رئاسي في الجلسة الأولى.
أخبار متعلقة :