كتب جيرار ديب في “اللواء”:
تحمل زيارة الأولى للحبر الأعظم البابا لاوون الرابع عشر له بعد توليه المنصب خارج الفاتيكان، والثانية بعد تركيا إلى بيروت، رسائل في أكثر من اتجاه تأكيداً على دور لبنان الذي أكده السلف، البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، على أن لبنان «أكثر من بلد إنه رسالة».
رسالة للعيش المشترك، ولزرع السلام في المنطقة، لهذا حملت هذه الزيارة التي استمرت من بعد ظهر الأحد 30 تشرين الثاني، إلى الثلاثاء في 2 كانون الأول، عنوان «لبنان يريد السلام». وهذا ما أكد عليه كلّ من رئيس الجمهورية، جوزاف عون، ورئيس الحكومة، نواف سلام، في دعوتهما إلى التفاوض لتبريد الجبهة الجنوبية، من خلال ترسيم الحدود والتزام لبنان كاملاً بالقرار «1701».
في مقابل الدعوات الرسمية اللبنانية إلى الوسيط الأميركي، هناك تعنّت إسرائيل برفض أي حوار مع لبنان، على اعتبار أن لبنان الرسمي ومؤسساته العسكرية والأمنية لم يقم بما يتوجب عليه بسحب سلاح حزب لله وكافة الأطراف اللبنانية وغير اللبنانية. رغم بيانات الجيش اللبناني، ووسط العمليات المتكررة من الجانب اللبناني ووسط مرافق الإعلام لعمليات تسلّم السلاح من الفصائل الفلسطينية في المخيمات المنتشرة على أرض لبنان، لم يزل الإسرائيلي ممسك بسردية «عدم جديّة الدولة في تعاطيها في موضوع السلاح».
مع اقتراب لبنان من مرحلة توصف بأنها الأكثر حساسية منذ وقف إطلاق النار قبل عام، تزداد الأنظار توجها نحو المهلة الأميركية التي تلوح كآخر فرصة لمعالجة ملف «سلاح حزب لله» قبل نهاية هذا العام. وبين ما قد تحمله تلك الزيارة التي يغلب على طابعها الديني، ولكنّ الشعارات التي رفعت تؤكد الدعوة إلى السلام.
لا يجب أن يستبعد اللبناني فرضية الحرب الواسعة، لا سيما تلك التي نقلها الوسطاء الأميركيين إلى المعنيين في لبنان من الجانب الإسرائيلي الذي أكد على إن هذه الجولة لن تكون كما سابقاتها، حيث ستدخل مناطق جديدة إلى دائرة الاستهداف، مع الانتشار الكبير والتوسّع للبيئة الحاضنة في كافة المناطق اللبنانية، بعد أشبهت الضاحية الجنوبية للبنان شبه خالية في ظلّ ما تشهده من نزوح لساكنيها الذين استأجروا أم اشتروا لهم بيوتاً هذه المناطق.
«لا مناطق آمنة» وأيضاً لا حيادية في القصف الإسرائيلي للدولة اللبنانية عبر مؤسساتها، مع التعمّد الإسرائيلي في رمي اللوم على الدولة اللبنانية وتقاعسها في موضوع السلاح. وإن إلغاء الزيارة التي كانت مقررة لقائد الجيش، العماد رودولف هيكل، إلى واشنطن دلالة على «غضب» القيادة الأميركية من أداء الجيش في تنفيذ مهمته ومن البيانات التي استخدمها الجيش ذاكراً فيها إسرائيلي بـ«العدو».
يتفق كل لبناني بأن هذه الحرب لن تكون كما سابقتها التي مرّ عام على توقيع الهدنة برعاية أميركية وتشكيل لجنة «الميكانزيم» للمراقبة وضبط الانزلاق. ولكن ما هو غير متفق عليه هو شكل الحرب المنتظرة، والتي تتراوح بين مركّزة عبر ضربات جوية مكثفة، وواسعة تتضمن الاجتياح بهدف سحب السلاح بالقوة. إلّا أنّ السيناريو الأخطر والذي بدأ يلوح في الأفق، هو الحرب العامة، أي تلك التي ستتدخل فيها إيران ووكلائها في المنطقة، بعد الحديث عن إعادة تسليحهم وتمويلهم.
فأن يخرج السفير الإيراني في بيروت، مجبي أماني، وهو أحد ضحايا تفجيرات البيجر، ليصدر بياناً حول عملية اغتيال القائد في حزب لله، هيثم الطبطبائي، متحدثاً عن إن «حزب لله بعد هذه العملية سيغيّر في استراتيجية القتال»، ليس بالأمر العابر، ويتخطى التدخّل في الشأن اللبناني. لكنّه دلالة واضحة على إن إيران ستشارك في الحرب الحتمية ليس دفاعاً عن حزب لله، بل تأكيداً لوجودها في محاولة لقطع الطريق على الإسرائيلي من أن يقوم بتنفيذ ضربات جديدة داخل إيران.
لا شيء أمام إيران تخسره، وسط تحشيد أميركي في منطقة الكاريبي، حيث العملية هناك ذاهبة إلى حرب على نظام نيكولاس مادورو، حليفها في المنطقة. إذ شكّل نظام فنزويلا على مدى قرون بيئة حاضنة إيران في التهرّب من العقوبات، بحسب التقارير الأميركية، بيئة لتهريب المخدرات وتمويل موازنة الحرب. كذلك الأمر، أدرك إيران أن اللاعب الروسي بات بعيداً في خياراته ورؤيته في المنطقة بحسب اختبر بعده في حربها الـ12 يوما في حزيران الماضي مع الإسرائيلي.
لن نقول انتحاراً إيرانياً، ولكن هذه المرة ستلعبها طهران التي تعاني أزمات داخلية تبدأ من ضغط العقوبات على اقتصادها، وصولاً إلى الأزمة المستجدة والمتمثلة في «شح المياه» عن طهران والكثير من المحافظات. لهذا فالأكيد أن هذه الحرب ستشارك فيها إيران تحت شعار «صولد وأكبر» على حرب مع الإسرائيلي باتت تهدّد الوجود.
أمام مشهدية الحرب القادمة، تبقى رسالة السلام لقداسته معلقة إلى جانب رسالة سلفه، طالما لا حظوظ جدّية للسير في حصرية السلاح، وسط معادلة أسقطها الحزب وترتبط بتسليم السلاح مقابل فرض السلام، مع دعم أميركي واضح إلى جانب إسرائيل.
أخبار متعلقة :