كتبت زينب بزي في “الأخبار”:
يدخل لبنان موسم الأعياد هذا العام ببرنامج فني محدود، في ظل غياب الأسماء الكبيرة التي كانت تشكّل تقليدياً رافعة أساسية لحركة الترفيه في هذا الموسم.
حفلات قليلة، وأسعار مرتفعة جداً، في مشهد لا يمكن فصله عن القلق الأمني والمخاوف من حرب مفتوحة يتجلّى أحد جوانبها في الحصار الاقتصادي والضغوط الخارجية التي تتقاطع مع حسابات محلية. في هذا المناخ، يتقدّم هاجس الاستقرار على أي قرار إنفاقي، وتُدار حفلات رأس السنة بكل ما فيها من استهلاك وترفيه بمنطق الحدّ الأدنى من المخاطرة، سواء من جانب المعدّين أو المستهلكين.
تتراوح أسعار بطاقات حفلات رأس السنة بين 125 دولاراً للفرد و750 دولاراً، ما يحوّل الخروج الليلي إلى كلفة غير مقدور عليها إلا لفئات محدودة. ومن بين الأسماء القليلة المصنّفة ضمن الصف الأول، يبرز راغب علامة الذي يحيي حفلاً على مسرح OPRA في بيروت، لكن بأسعار تُعد الأعلى هذا الموسم، إذ تبدأ من 300 دولار وتصل إلى 750 دولاراً، أي إنّ سعر البطاقة الأدنى يوازي الحدّ الأدنى للأجور المعمول به في لبنان (الذي يبلغ 312 دولاراً)، ما يضع الحفل خارج متناول الغالبية الساحقة من المواطنين.
الحفل الثاني الأبرز هو حفل ملحم زين وغي مانوكيان على مسرح كازينو لبنان. تبدأ أسعار التذاكر لحضور هذه الحفلة بـ150 دولاراً وترتفع إلى 600 دولار. ورغم الظروف العامة، يسجّل إقبال لافت على هذا الحفل، مع إعلان نفاد معظم البطاقات، في مؤشر إلى أنّ الطلب لا يزال قائماً ولكن ضمن شريحة محدودة قادرة على تحمّل هذه الكلفة.
أما بقية الحفلات، فتقع ضمن هامش سعري أدنى نسبياً، وإن كان لا يزال مرتفعاً قياساً بالقدرة الشرائية. تتراوح أسعار حفلة علي الديك وأيمن زبيب على مسرح فندق كورال بيتش في بيروت بين 150 و350 دولاراً. وتبدأ أسعار حفلة ماهر جاه ونانسي نصرالله من 190 دولاراً للتذكرة «الأرخص»، وتصل إلى 340 دولاراً، من دون احتساب رسم الدخول الإضافي البالغ 60 دولاراً.
أما حجوزات الـLounge التابعة لهذا الحفل والمخصصة للمجموعات، فتسعر على أساس حدٍ أدنى للاستهلاك يتراوح بين 1500 و3000 دولار، يُضاف إليه رسم ثابت بقيمة 500 دولار، فيما يصل سعر الـStage VIP إلى نحو 4000 دولار، ما يجعل كلفة السهرة الجماعية تفوق بأشواط قدرة الغالبية. كذلك، تتراوح أسعار حفلة محمد خيري في O Beirut بين 150 و400 دولار، فيما تبدأ أسعار بطاقات حفل نادر الأتات وماهر جاه في الأطلال بلازا – غزير من 125 دولاراً وتصل إلى 300 دولار.
وفي هذا السياق، تدار بعض الحجوزات بمعايير غير معلنة، تتبدل فيها شروط التوافر بحسب هوية المتصل وجنسيته. فحين يأتي الاتصال من رقم غير لبناني، غالباً ما يُقال إنّ «الأماكن ما تزال متوافرة» وإنّ الحجوزات مفتوحة، فيما يقابل المتصل المحلي بإجابات من نوع «full» أو «sold out». هذا التفاوت غير المعلن يعكس رهاناً واضحاً على الزبون الآتي من الخارج، سواء أكان مغترباً أم زائراً، باعتباره أكثر قدرة على الإنفاق وأقل تأثراً بارتفاع الأسعار، في مقابل جمهور محلي أنهكته الأزمة وتراجعت قدرته على تحمّل كلفة الترفيه.
وعند احتساب المعدّل العام لأسعار الحفلات، من دون إدخال حفلة راغب علامة لارتفاع تكلفتها، يبلغ السعر الوسطي نحو 265 دولاراً للتذكرة الواحدة، أي ما يعادل قرابة 85% من الحدّ الأدنى للأجور. بذلك، تتحوّل ليالي الأعياد من مساحة ترفيه جماعية كانت تشكل متنفساً اجتماعياً واقتصادياً، إلى ترفٍ انتقائي محصور بفئات محدودة، في بلد بات فيه الراتب الشهري بالكاد يكفي لتأمين الأساسيات، فيما يفرض شبح الحرب وعدم الاستقرار نفسه كعامل ضاغط يعيد رسم حدود السوق والاستهلاك حتى في أكثر المواسم رمزية.
أخبار متعلقة :