خبر

الحريري “صامد”

يواجه الرئيس المكلف سعد الحريري ضغوطا سياسية متعددة الأشكال والمصادر لتليين موقفه والقبول بتمثيل سنة 8 آذار لـ «الإفراج» بالمقابل عن الحكومة الجديدة التي باتت في جيبه ولا ينقصها إلا أسماء الوزراء الشيعة.

وهذه الضغوط تأتي بشكل خاص ومركز من جانب حزب الله وحلفائه الذين رفعوا درجة الحملة على الحريري الى حد استحضار مفردات وعناوين مرحلة سياسية سابقة.

ولكنها تأتي أيضا، وبشكل غير مباشر، من الرئيس نبيه بري الذي يقف الى جانب «اللقاء التشاوري» السُني ولو على مضض، ومن رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الذي يدعو بإلحاح الى التسوية وأخذ ميزان القوى في الاعتبار، ومن الوزير جبران باسيل الذي لم يحقق عمليا حتى الآن إلا إبعاد رئيس الجمهورية ميشال عون عن الاشتباك الساخن الدائر بين الحريري وحزب الله عبر فك الارتباط وعملية التبادل في الحقائب بين الحريري وعون.

أخذت الضغوط على امتداد شهر، أي من اللحظة التي ظهرت فيها العقدة السُنية وتوقفت عملية ولادة الحكومة، شكل رسائل أوصلها حزب الله الى الحريري عبر قنوات سياسية أحيانا وإعلامية غالبا، ومما جاء في مضمون هذه الرسائل وفحواها:

٭ الحريري يراهن على الوقت وهو يعرف في نهاية المطاف أنه لن يحصل على أي تنازل من حزب الله.

٭ افتعال الحريري لأزمة لم تكن موجودة في الأصل وتكبير المشكلة أمر مثير للشبهة وليس أمرا عبثيا أو بريئا. الحزب يرصد خلفية ما يجري وينطوي على محاولة مكشوفة لعزله داخليا بعد إظهاره معرقلا لانطلاقة العهد بالتزامن مع ضغوط خارجية.

٭ الضغط على الحريري سيستمر حتى لو توسطت دول كبرى لحل عقدة التمثيل السُني، والحزب سيستخدم كل أوراقه لحل الأزمة الحكومية التي تتطلب تنازلا من رصيد الرئيس المكلف.

٭ الحريري أخطأ في الرهان والتقدير. هو راهن على مرونة حزب الله في موضوع الحكومة مقابل مرونته في المحكمة الدولية، وأيضا في الحكومة بقبول إسناد وزارة الصحة الى الحزب، وهو اعتقد أن الرئيس عون الذي يؤيده في موقفه السُني سيتدخل لدى حزب الله الذي لا يرد طلبا لرئيس الجمهورية، وسيكون ممكنا تجاوز هذه العقدة.

٭ مصلحة الحريري تقتضي القبول بتمثيل خصومه السُنة وليس البقاء رئيسا لتصريف الأعمال أو الخروج من رئاسة الحكومة، وإذا أراد أن ينتقل من التكليف الى التأليف، عليه إيجاد حل يرضي «السُنة المستقلين» وحزب الله.

حتى الآن أظهر الحريري صمودا وثباتا في موقفه مظهرا قدرته واستعداده للتكيف مع مرحلة تصريف أعمال طويلة، وموحيا بأنه لا مشكلة عنده مع الوقت والانتظار، مؤكدا أنه لا رغبة ولا نية لديه للتنازل في هذا الموضوع الذي يعنيه مباشرة ويفوق طاقته على التحمل ولا مجال للتنازل فيه. وأعطى الحريري ما يكفي من مؤشرات تدل الى أنه باق على موقفه وماض في مسار تصعيد، وأبرز هذه المؤشرات:

٭ رفض استقبال النواب السُنة الستة ككتلة نيابية، وهذا اللقاء يعتبر مفتاح الحل والمؤشر إليه.

٭ «تسريب» الأزمة الى الشارع الذي ظهر فيه أنصار المستقبل غاضبين يقطعون الطرق (في بيروت وعلى الطريق الساحلي الجنوبي وفي صيدا). يقول تيار المستقبل ما مفاده إن تحركات الشارع عفوية وموجهة ضد وئام وهاب وحملته العنيفة على الحريري، ولكن يمكن القول أيضا إن هذه التحركات «المتنقلة» متعمدة ومفتعلة، وأنها تبعث برسالة اعتراضية ضمنية باتجاه حزب الله.

٭ فتح أبواب «بيت الوسط» لقوى وشخصيات الطائفة السنية التي تأتي متضامنة مع الحريري في هذه المواجهة وتشد على يده وتقول له ما فحواه «كفيت ووفيت في تسهيل الأمور على حساب مصلحتك».

حزب الله منزعج ومستاء من خروج الأزمة الحكومية عن مسارها وسلوكها طريقا فرعيا في اتجاه الشارع، وإلباسها لبوسا مذهبيا من خلال رفع درجة التعبئة السنية سياسيا وعلى الأرض، وما يجري يعزز حال الريبة لديه التي تساوره من أن تكون هناك أهداف أخرى تقف وراء هذه الهجمة التي تتجاوز اعتراض الحريري على تمثيل سُنة 8 آذار في الحكومة، ووراء انقلاب الحريري على مسار التعاون الذي كان بينهما في الأشهر الماضية وانتقاله الى التشدد والتصعيد.