ساعاتٌ ثقيلة عاشتْها بيروت في الطريق الى ولادة الحكومة الجديدة التي باتت منذ الخميس وكأنها “أُنجزتْ” في السياسة بعد المَخْرج التوافُقي لحلّ عقدة تمثيل النواب الستّة السنّة الموالين لحزب الله، لتطغى على “الخمس دقائق الأخيرة” من مسار التأليف المُضْني “روْتشاتٌ نهائية” تتّصل بـ“تدوير” بعض الحقائب والتوزيعات الطائفية بين المكوّنات الحزبية.
وحمَل يوم أمس تأكيد أن “ما كُتب قد كُتب” على صعيد تسمية جواد عدرا (رئيس مؤسسة “الدولية للمعلومات” المتخصصة باستطلاعات الرأي) كممثّل لسنّة 8 آذار (اللقاء التشاوري) في الحكومة، بعدما “التحق” هؤلاء بـ“قطار” التسوية التي أمْلت “هبوط” عدرا بـ“الباراشوت” من خلْف ظهْرهم بقرارٍ من الثنائي الشيعي (حزب الله والرئيس نبيه بري) وظهورهم تالياً كـ“الزوج المخدوع” الذي أدّى “وظيفته” المزدوجة في خدمة أجندة الحزب الذي أراد إحداث “دفرسوار” داخل الطائفة السنية لكسْر أحادية تمثيل الرئيس المكلف سعد الحريري لها وزارياً، وحرمان فريق الرئيس العماد ميشال عون من الإمساك بالثلث المعطّل وتالياً إحباط إمكان تَحكُّم رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل بـ“مفاتيح” مُقرِّرة سواء في الحكومة او في استحقاقاتٍ مستقبلية كالانتخابات الرئاسية.
وبعدما تَهشّمتْ باكراً صورتُه بفعل التشققات التي أصابتْه بفعل إلزامه بخيار توزير عدرا، فإن “اللقاء التشاوري” حاول تَرميم العلاقة بين أعضائه والسعي الى تحقيق أمريْن: الأول تظهير تسمية عدرا وكأنه “خيار طوعي” عبر الاجتماع الذي عقده النواب الستة في دارة النائب فيصل كرامي والذي خلص إلى تأكيد أنه واحد من الأسماء الأربعة التي رُفعت الى عون لاختيار أحدها، والثاني إصرارُهم على ضمان أن يكون عدرا جزءاً من اللقاء ويلتزم بخياراته وممثلاً له حصْراً، وذلك بعد معلوماتٍ ترددتْ عن سعي باسيل لضمّ هذا الوزير الى تكتل “لبنان القوي” والتصويت لمصلحته.
ورغم أن عون تحدّث عن ان ولادة الحكومة “باتت أسرع من المتوقع” وأن الحريري تمنى “الانتهاء من تشكيلها”، فإن وقائع ساعات النهار حملتْ شكوكاً في إمكان إنجاز تشكيلة الثلاثين وزيراً في ما تبقى من ليل أمس وذلك في ضوء ترقُّب كان يسود لمسألتيْن:
● الأولى الاجتماع بين “اللقاء التشاوري” وعدرا للتأكيد “بالصوت والصورة” أن الأخير جزء من هذا التجمع، وهو الاجتماع الذي اعتُبر تمهيدياً لزيارة “مجموعة الستة” الى القصر الجمهوري للقاء عون وسط تضاؤل إمكان انضمام الحريري الى هذا اللقاء الذي كان يشترطه سنّة 8 مارس كاعتراف بـ“كيانهم” من الرئيس المكلف قبل أن تتجاوز التسوية هذا المطلب.
● الثانية بتّ مسألة توزيع 4 حقائب تُعتبر ثانوية وهي البيئة والصناعة والإعلام والزراعة، وسط محاولاتٍ غير سهلة جرتْ لتدويرها بين الأطراف التي بدت غالبيتها غير مستعدّة لتنازلات اللحظة الأخيرة، الى جانب مسألة الوزير المسيحي من حصة الحريري وهل يكون مارونياً أو أرثوذكسياً لأن ذلك يؤثّر بـ“التوازن” في توزيع الوزراء الموارنة بين “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية” كما أنه قد يرتّب تعديلات في هوية بعض الوزراء والحقائب التي سيتولّونها.
وقد عُقد لقاء حول هذه المسألة بين الحريري وباسيل بعد ظهر أمس شاعت أجواءٌ بأنه لم يصل الى نتيجة، لتُستكمل بعده الاتصالات التي بدت كأنّها تُسابِق محطةً لرئيس الجمهورية خارج القصر (ابتداء من الخامسة والنصف مساء)، باعتبار أن إمكان توجُّه الرئيس المكلف ليلاً الى القصر الجمهوري وكذلك بري قبل صدور مراسيم التأليف، بدا أمراً مستبعداً لتبقى الولادة الحكومية منتظَرة اليوم على الأرجح.
وبدأت مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة ترخي بثقلها على الواقع اللبناني، وهو ما عبّر عنه الحريري خلال رعايته حفل افتتاح فندق هيلتون في وسط بيروت (مساء الخميس) اذ اعلن “علينا ان نعمل بشكل غير عادي في الحكومة الجديدة، وان تتخذ قرارات تكون في مصلحة كل البلد واللبنانيين”، مؤكداً “علينا ان نوقف الفساد والهدر الحاصلين، وقد آن الأوان كدولة ان نعطي الفرصة لمن يرغب بالاستثمار، لا ان يبقى 16 سنة كي يبني فندقاً، وهناك قرارات كبيرة علينا ان نتخذها بعد تشكيل الحكومة”، قبل أن يكشف أمس في مؤتمر اقتصادي عن جوانب من هذه القرارات وبينها “محاولة خفض الدعم الذي تدفعه الدولة للطاقة بنحو 600 مليون دولار في 2019”.