لا توحي أجواء الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بتسليم الملف اللبناني الى محور معين حقق إنجازات ميدانية في سورية. وعلى العكس من ذلك تقول أوساط ديبلوماسية على اطلاع واسع بما يجري ان الدول الكبرى تتمسك أكثر من أي وقت مضى بالسيادة اللبنانية، وباستقلال لبنان، وصولا الى حد التأكيد على رغبة هذه الدول في فصل المسارين اللبناني والسوري عن بعضهما فيما يتعلق بالشأن الداخلي، وان هذه الدول لن تسمح بإعادة استباحة لبنان، أو تسليمه للإدارة السورية.
بيان الإدارة الأميركية الذي تحدث عن خشية من تنامي دور حزب الله في لبنان، كان واضحا لناحية التأكيد على عدم السماح بأن يكون لبنان جزءا من محور سياسي اقليمي او دولي محدد، وأن الولايات المتحدة الأميركية ستقف الى جانب القوات الشرعية اللبنانية – لاسيما الجيش اللبناني – في ترسيخ سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية.
وكان لزيارة السفير البريطاني كريس رامبلنغ الى بعبدا ولقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ظهر الاربعاء الماضي دلالة واسعة، حيث اوضح السفير أن بلاده ضد أي توتر في الجنوب، ومع التطبيق الكامل للقرار 1701، ولندن تدعم بقوة السلطات الشرعية في لبنان، ولا تسمح بزعزعة الاستقرار فيه.
في المقابل، فإن الموقف الفرنسي كان ومازال على الدوام حريصا على الاستقرار في لبنان، ودعم الشرعية اللبنانية، وضد كل التدخلات الخارجية التي تهدد استقراره.
وقد لعبت فرنسا دورا كبيرا في الماضي القريب في تظهير الاتفاقات التي حصلت حول أكثر من ملف حساس، بما في ذلك التسوية الرئاسية والحكومية التي حصلت في نهاية العام 2016.والبارز أيضا في سياق مواقف الدول الكبرى تجاه لبنان، تأكيد الخارجية الروسية رفضها التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية اللبنانية، ومساندتها للحكومة الشرعية اللبنانية.
كما أن السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبيكين أكد أكثر من مرة عبر وسائل الإعلام، خصوصا في حديثه قبل أسبوعين في المختارة أن بلاده تنظر للبنان كدولة ملتقى اقليمي، وأن ما يجري في سورية يخص سورية، والملف اللبناني مستقل عن الملف السوري تماما.
وما جرى خلال مناقشات مجلس الأمن الدولي حول الوضع في الجنوب، وحول ما سمي بـ”قضية الأنفاق” كان جليا، بحيث لم يصدر أي موقف إدانة، كما كانت تطالب “إسرائيل”، بينما أكد أغلبية ممثلي الدول في المجلس على دعم الحكومة اللبنانية، وعلى تمسكهم بدور الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في حماية الحدود، بينما أدان عدد كبير من ممثلي هذه الدول الاعتداءات والتحرشات “الإسرائيلية” ضد لبنان، لاسيما منهم مندوب الكويت منصور العتيبي الذي تحدث باسم المجموعة العربية.
توحي تصريحات بعض الذين يدورون في فلك قوى “الممانعة” أن هذه القوى انتصرت، ويمكن لها فرض معادلات جديدة على ارض الواقع في لبنان.
بينما الوقائع تبين أن توازنا سياسيا داخليا، ومحددات خارجية وديبلوماسية تنفي حصول مثل هذه التحولات، وإعلان واشنطن عن سحب قواتها من سورية لا يعني انسحابها السياسي من لبنان، فهي تبني مقرا لسفارتها في عوكر، يعتبر الأكبر لها في كل منطقة الشرق الأوسط.