خبر

لبنان “يتعايش” مع مأزقه السياسي

لا صوت يعلو فوق صوت “نورما”، فالعاصفةُ الثلجية التي تضرب لبنان وتبلغ ذروتها اليوم وغداً “طمرتْ” بثلوجها التي تلامس في الساعات المقبلة 600 متر السياسةَ وأزماتها وفي مقدّمها تشكيل الحكومة الجديدة التي تدور في مكانها منذ نحو 8 أشهر وسط “جبلِ جليدٍ” من التعقيدات يختبئ وراءه قطبٌ لم يعد مَخْفيا حول خلفيات المأزق المفتوح على… الأفق المسدود.

وفيما انهمكَ لبنان الرسمي أمس، بمواكبةِ مسار العاصفة “نورما” واحتواء أضرارها، بدا أن أزمةَ تأليف الحكومة “مستقّرة” في الدائرة المقفلة وسط مَلامح تَكَيُّفٍ مع هذا الواقع وإمكان تَمَدُّده لأَجَل غير محدَّد في ظلّ تَلاشي المبادرات “الكاسِرة للمأزق” الناجم عن احتجاز الصراع بين حزب الله والتيار الوطني الحر على الثلث المعطّل.

واستوقف أوساطً سياسية موقفٌ أطْلقه عون أمس، وأكد فيه أن القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية ستنعقد بموعدها في بيروت، لافتاً إلى أن وجود الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال ليس سبباً لتأجيل القمة، لأن الحكم استمرارية والحكومة الحالية تمارس صلاحياتها وفق الأصول والقواعد الدستورية المعتمدة”، وجازماً “أن كل الترتيبات المتعلقة بتنظيم القمة أنجزت، ولبنان جاهز لاستقبال القادة العرب لمناقشة المواضيع الواعدة على جدول أعمال القمة”.

واعتبرتْ الأوساط ان كلام عون الذي أَطْلَقَه خلال استقباله الممثل الشخصي للرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، الوزير العميد الازهر القروي الشابي، ناقلاً إليه دعوة للمشاركة في القمة العربية التي تستضيفها تونس في مارس المقبل، انطوى عملياً على بُعديْن: الأوّل حَسَم أن القمة التنموية ستنعقد بموعدها، قاطِعاً الطريق تالياً على “البروباغندا” التي حاولتْ الضغط في ملف الحكومة عبر الربط بين حصول انفراجٍ في تشكيلها وبين التئام القمة، والثاني أعطى من خلاله رئيس الجمهورية إشارةً فُسِّرت على أنها بمثابة «تأكيد المؤكد» لجهة غياب أي مؤشرات لولادة قريبة للحكومة.

وتَرافَقَ موقفُ عون مع معلوماتٍ عن أنّ وزيرَ الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جمال الجراح توجّه أمس، إلى الرياض لتوجيه دعوة إلى قيادتها لحضور القمة التنموية ليكتمل نصاب الدعوات لكل الدول العربية باستثناء سورية التي يتعاطى لبنان الرسمي مع «ملفّها» على أنه من صلاحية الجامعة العربية كونها مَن علّق عضويّتها فيها العام 2011 وأن دعوتها ترتبط بقرار عربي لن تخرج بيروت عن مظّلته، وسط شكوكٍ في إمكان توصّل اجتماع «الجامعة» على مستوى المندوبين في القاهرة غداً إلى حسْم الموقف من مقعد سورية.

وفيما اكتملتْ الاستعداداتُ اللوجستيةُ في بيروت لاستضافةِ القمة واجتماعاتها، يُبدي لبنان ارتياحاً لعدم تبلُّغه اعتذار أيّ من الدول العربية عن المشاركة، وسط عدم حسمْ العديد منها بعد مستوى التمثيل. علماً أن “بلاد الأرز” تراهن على هذه التظاهرة التي تنعقد تحت عنوان “الإنسان محور التنمية” لتأكيد استعادة لبنان حيوية دوره في المنطقة والاحتضان العربي له.

ولم يحجب بدء العدّ العكسي للقمة الأنظار عن الأثمان السياسية والاقتصادية لاستمرار التعثّر في تشكيل الحكومة بعدما أحْبط «حزب الله» تأليفها مرتين في ربع الساعة الأخير تحت عنوان ضمني هو رفْض التسليم بالثلث المعطل لفريق عون منفرداً، المرة الأولى حين كانت التشكيلة في الطريق إلى صدور مراسيمها قبل أن يمتنع عن تسليم أسماء وزرائه مشترطاً تمثيل النواب السنّة الستة الموالين له في الحكومة، والثانية عندما كانت التشكيلة قاب قوسين من الولادة قبل أن يشهر اعتراضه على تموْضع الوزير الذي سيمثّل “مجموعة الستة” في التكتل المحسوب على رئيس الجمهورية.

ولم يعد خافياً أن الاستكانة في الملف الحكومي تتصل بالكرّ والفرّ بين “التيار الحر” وحزب الله حول “الإمرة لمَن” على “الوزير الملك”، وسط اقتناعٍ بأن مساعي رئيس “التيار الحر” الوزير جبران باسيل للعودة إلى هنْدسات رقمية جديدة للحكومة وتَعمُّد الحزب تصويب السهام على مسؤولية الرئيس المكلف سعد الحريري في “المشكلة والحلّ” لا تعدو كونها محاولات للتعمية على الصراع القائم حول الثلث المعطّل بعدما تلاشت الحدود بين الاستراتيجي والتكتيكي في لعبة السلطة بين الحليفين اللذين انتقلا من “التكامل” إلى… “التلاكُم”.