خبر

عقدة جديدة تعمّق الأزمة

دخلت مسألة انعقاد القمة العربية الاقتصادية في بيروت، في طور محلي جديد غير بعيد عن قضية تعقّد تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة. وتشير التطورات الأخيرة إلى أن الموقف من هذه القمة ومكان انعقادها سيشهد سجالات داخلية تكشف خواء البنى السياسية اللبنانية وعجزها عن حسن التعامل مع استحقاق عربي غير معني بتفاصيل المماحكات الداخلية.

وفيما تقول الأنباء إن بيروت أنهت تحضيراتها اللوجيستية لاستضافة القمة في 19 و20 يناير الجاري، فإن ما صدر عن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري من تشكيك في إمكانية التئام هذه القمة، وحتى الذهاب إلى المطالبة بتأجيلها، أرخى بظلال متشائمة، أو على الأقل غير ودودة لا تتناسب مع لهجة الضيافة التي يجب أن يتّسم به موقف أركان السلطة في لبنان.

وكان رئيس مجلس النواب اللبناني قد دعا إلى تأجيل القمة بحجة غياب حكومة لبنانية، إلا أن ما عقّد الوضع أكثر هو مطالبته بعد ذلك بمشاركة سوريا فيها. ويدرج مراقبون موقف بري داخل مستويين؛ الأول على علاقة بالموقف الدولي المتغير من سوريا وبالتالي مطالبته بمشاركتها في القمة، والثاني ينشد التصعيد ضد رئيس الجمهورية ميشال عون والعهد برمته.

يبدو أن نبيه بري، الذي لطالما تلقى عتبا واستياء من دمشق حيال موقفه البارد والملتبس من نظام الرئيس السوري بشار الأسد خلال الحرب الداخلية المندلعة منذ عام 2011، أراد من خلال موقفه من القمة المزايدة في شأن ضرورة حضور سوريا، خصوصا وأنه سبق أن صرح بأنه لن يحضر اجتماعات اتحاد البرلمانات العربية بعد اليوم إذا لم تحضرها سوريا.

وكان بري قد رفض الزجّ بحركة أمل التي يتزعمها بالحرب السورية على منوال ما فعل حزب الله دفاعا عن نظام دمشق. وعلى الرغم من أن الموقف السياسي للحركة بقي داعما للأسد، إلا أنها لم تتدخل عسكريا على المستوى الرسمي، وأن أي تواجد لحركتين في صفوف المدافعين عن نظام دمشق جرى بشكل فردي وضمن تشكيلات حزب الله.

وقد أثارت دمشق مع بعض زوارها اللبنانيين هذه المسألة، خصوصا أن النظام السوري منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد هو الذي وقف وراء حركة أمل وزعيمها، كما أنه دعم الحركة بالسلاح في الحرب التي وقعت بينها وبين حزب الله في ثمانينات القرن الماضي. غير أن موقف بري حاول الحفاظ على توازن داخلي وعربي، إلا أنه كان سبّاقا في إرسال الوزراء التابعين لحركة أمل لزيارة نظرائهم في دمشق ضمن جهود يدفع بها إلى تطبيع العلاقات اللبنانية السورية.

ويرى محللون أن موقف بري من القمة العربية الاقتصادية ليس سوى مناسبة لمسايرة رغبات دمشق، خصوصا أنه بات يشعر بأن مزاجا عربيا جديدا مشجعا، كشفت عنه زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق ثم فتح السفارتين الإماراتية والبحرينية في دمشق، قد يؤشر إلى احتمال عودة سوريا إلى عضوية الجامعة العربية.

واتخذ بري موقفا شعبويا لكونه يعلم جيدا أن لبنان ليس سوى الدولة المضيفة وأن الجهة الداعية هي جامعة الدول العربية؛ فقرار إجراء القمة أو تأجيلها ليس قرارا لبنانيا، بل هو قرار الجامعة، خصوصا أنه لا نية للبنان للاعتذار عن استضافة فعالياتها. وجمدت جامعة الدول العربية، منذ نوفمبر 2011، مقعد سوريا في المنظمة، احتجاجا على لجوء نظام بشار الأسد إلى الخيار العسكري لإخماد احتجاجات شعبية مناهضة لحكمه.

وفي 4 يناير الجاري، أعلن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، أن بلاده “ليست صاحبة القرار” في دعوة سوريا إلى القمة الاقتصادية العربية ببيروت، “لكن بإمكانها المبادرة والعمل من أجل حضورها”. كما أعلن حزب الله، عبر بيان عن كتلته البرلمانية، أن لبنان معني بدعوة سوريا للمشاركة في القمة الاقتصادية العربية التي ستنعقد على أرضه، “لما في ذلك من قوة للبنان ومصلحة استراتيجية له”.

في المقابل، يرفض فريق 14 آذار، المعارض للنظام السوري، دعوة سوريا إلى قمة بيروت، وهدد عدد من قادته بالتظاهر، وتنظيم اعتصامات في حال حضر رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى بيروت.

وحذّر أمين عام قوى 14 آذار، النائب السابق فارس سعيد، من توجيه دعوة إلى النظام السوري لحضور القمة الاقتصادية. وقال عبر حسابه على تويتر “أنتم أحرار بدعوة من تريدون.. أنتم السلطة وإذا تمت الدعوة بقرار منفرد أو بالتنسيق مع الجامعة العربية، سنتظاهر في بيروت ضدكم وضد الجامعة وضد الأسد.. (هذا) وعد”. كما يعارض كل من تيار المستقبل، الذي يتزعمه رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، والحزب الاشتراكي اللبناني، بزعامة وليد جنبلاط، وحزب القوات اللبنانية، بزعامة سمير جعجع، عودة العلاقات مع النظام السوري.

وبذات اللهجة الغاضبة، قال شارل جبور، القيادي ورئيس جهاز التواصل والإعلام في حزب القوات اللبنانية، إن القمة “تفيد لبنان وتؤكد أنه في صلب المعادلة العربية، وأنه جزء من الشرعية العربية والدولية”. وأضاف أن “الكل يذكر أنه في زمن الوصاية السورية على لبنان كان ممنوعا على بيروت الانفتاح على العالم العربي”.

وأكد أن هناك أزمة علاقات تاريخية مع سوريا، وأن أي انفتاح يجب أن يحصل ضمن تسوية متوازنة، تركز على سيادة لبنان واستقلاله واحترام خصوصيته، ويجب أن يبحث هذا الملف بشكل عقلاني للحفاظ على استقرار البلاد.

بين بري وعون

لم يقتصر الجدل حول دعوة سوريا وتأجيل القمة على الأحزاب والفرقاء السياسيين، حيث تكشف المتابعة أن المسألة باتت مادة للسجال الداخلي بين بري وعون. ففيما يؤكد كلام صدر عن الرئيس اللبناني، على أن القمة حاصلة لأن هناك حكومة تصريف أعمال تتحمّل مسؤولياتها، تأتي تصريحات بري لتصوب ضد عون على خلفية موقف قديم ضده، إلى درجة أنه وكتلته لم يصوتوا لصالحه في الانتخابات الرئاسية.

كما تأتي التصريحات على خلفية التوتر الجديد المرتبط بتمسك عون وصهره وزير الخارجية جبران باسيل بحصة 11 وزيرا في الحكومة المقبلة، على النحو الذي يمكن الفريق العوني من امتلاك الثلث المعطل في الحكومة، وعلى النحو الذي سبب تقويض الصفقة الأخيرة المتعلقة بتشكيل الحكومة بعد التوصل إلى حلّ لتمثيل نواب سنة 8 آذار في هذه الحكومة.

ويتمسك ميشال عون، بحصته الوزارية أي الثلث المعطل (11 وزيرا من أصل 30)، ويرفض أن يعطي من حصته مقعدا إلى “اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين”، حليف حزب الله.

وتلفت مصادر سياسية لبنانية إلى أن مناسبة انعقاد القمة الاقتصادية العربية لم تشكل عاملا إيجابيا دافعا لتشكيل الحكومة، بل بدت أنها مادة إضافية للمزايدة والسجال والانقسام. وترى هذه المصادر أن القمة ستنعقد في بيروت في موعدها، كما أكد الرئيس اللبناني، إلا إذا حصل طارئ أو موقف عربي يحول دون ذلك، أو إذا رأى رئيس البلاد أن ظروفا لبنانية طارئة تمنع انعقاد القمة في بيروت، وبري يعرف ذلك تماما.

لذلك، بدا مستغربا تناول رئيس مجلس النواب أمرا هو من صلاحيات رئيس البلاد، ومخاطرته في التورط بموقف سلبي من القمة العربية في وقت يروج فيه مناخ عربي يعتبر أن قرار لبنان بات إيرانيا، وأن أي موقف سلبي من اجتماع عربي لن يكون إلا لحساب أجندة طهران الإقليمية.

وأشار عدد من الزعماء العرب إلى مشاركتهم الشخصية في قمة بيروت، ومنهم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الذي أكد لنظيره اللبناني أنه سيحضر القمة. غير أن مصادر إعلامية في لبنان قالت إن بيروت ما زالت تنتظر وصول تأكيد من العواصم العربية لمعرفة مستوى التمثيل داخل هذه القمة.

وتشكك متابعات في أن يكون التمثيل الخليجي عالي المستوى، وتتوقع ألا يكون الحضور السعودي على مستوى الآمال اللبنانية. ولفتت مصادر إلى أن الرياض تحفظت على زيارة باسيل لها لتسليمها الدعوة إلى القمة، فاستعيض عنه بالوزير جمال الجراح التابع لتيار المستقبل بزعامة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.

ولا يمكن اعتبار مثل هذا الأمر تفصيلا تقنيا عابرا، بل يعبر عن امتعاض الرياض من سلوك باسيل، لكنه يعبر في الوقت عينه عن استعداد السعودية للمشاركة في القمة. وتضيف المراجع أن الأنظار شاخصة نحو السعودية لمعرفة مستوى الحضور لأن ذلك سيحدد مستوى التمثيل الخليجي برمته.

وبينما لم تأت معلومات مفيدة من الجامعة العربية حول مسألة انعقاد القمة من عدمها، غير أن بعض الأوساط المراقبة لشؤون القمم العربية لم تستبعد أن يصار إلى تأجيل عقد القمة الاقتصادية العربية إذا ما اكتشف أن المشاركة المتوقعة باردة وليست بالمستوى العالي الجدير بأن تكون قمة، فيما لا تستبعد بعض المصادر من أن تعمد الدول العربية إلى رفع مستوى التمثيل وتكثيفه كي لا يقال إن قمة لا تحضرها دمشق لا تتمتع بالزخم الرفيع المستوى.

وهنا يرى البعض أنه إذا ما كانت هناك نية لإشراك دمشق في قمة تونس المقبلة في نهاية مارس المقبل، فإنه حري إنجاح قمة بيروت بصفتها تمثل أيضا روحية العمل العربي المشترك داخل بلد يفترض أن لإيران نفوذا متقدما داخله.

ووسط هذه الأجواء، تبقى الأعباء المعيشية لا تزال تسيطر على الوضع اللبناني، حيث يتحرك الشارع في تظاهرات مطلبية، يقول البعض إنها لأهداف سياسية وليست مطلبية خصوصا أنها تنادي بإسقاط النظام اللبناني.