فاجأ رئيس التيّار الوطني الحرّ، وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، الأوساط السياسية بالخطوة التي اتخذها بطلبه من الوزراء الممثلين لتياره، التوقيع على استقالات خطية ووضعها بتصرفه. هذا القرار الذي شكّل سابقة في تاريخ الحكومات في لبنان، تباينت التفسيرات بشأنه، بين من رأى فيه “إجراءً داخلياً لتحفيز الوزراء على العمل والإنجاز”، وبين من قرأ فيه “مصادرة لقرار الوزير واستقلاليته، وتهديداً لمصير الحكومة كلها”.
في حين أن خبراء دستوريين أكدوا أنه “يتعارض مع أحكام الدستور ومع النظام الداخلي لمجلس الوزراء”.
وفيما تعذّر الاتصال بأي من وزراء التيار لمعرفة موقفهم من هذه الخطوة، أكدت مصادر مقرّبة من التيار أن هذه المسألة “تخضع لاتفاق مسبق بين رئيس التيّار الوزير جبران باسيل وفريقه الوزاري”، وأوضحت لـ”الشرق الأوسط”، أن “الغاية من هذه الاستقالات هي دفع الوزراء للعمل الجاد والدؤوب وتحقيق الإنجازات في وزاراتهم، وليس مصادرة قرار الوزراء أو التأثير عليهم”، مشيرة إلى أن المسألة “بقيت ضمن الفريق الوزاري، ولم تطرح خلال اجتماعات تكتل لبنان القوي التي عقدت بعد تأليف الحكومة”.
ومع حرص مصادر التيار الوطني الحرّ على عدم إعطاء القضية أبعد من غايتها، وحصرها بالشأن الداخلي لـ”التيار”، أشار النائب والوزير السابق بطرس حرب، إلى أن هذه الخطوة “تعبّر عن عدم ثقة باسيل بوزرائه الذين عينهم في مناصبهم، وهذا تعامل مهين بحق هؤلاء الوزراء”، مؤكداً في تصريح لـ”الشرق الأوسط”، أن الأمر “يتناقض مع مبدأ اختيار الأشخاص الذين يديرون شؤون الناس، وهذا يشكل سابقة مقلقة، ودلالة سيئة على مستوى التعاطي السياسي، وتقييداً مسبقاً للوزير قبل مباشرة مهامه على رأس وزارته وعلى طاولة مجلس الوزراء”.
وإذا كان الأمر يتعلّق بإجراءات داخل التيار الحرّ، فهو بلا شكّ يهدد مصير الحكومة؛ خصوصاً إذا كان باسيل تمكن من الحصول على كتاب استقالة 11 وزيراً وهو من ضمنهم، ولفت الوزير السابق بطرس حرب إلى أن ذلك “قد يجعله قادراً على التلويح بسلاح الاستقالة الجماعية، ويمكنه من التحكم بمصير الحكومة”؛ لكنه شدد على أن “الاستقالة الموقعة مسبقاً، هي بمثابة من يعطي شيكاً مصرفياً مؤجل الدفع، ويمكن أن يستعيده، بمعنى أن الوزير يمكنه أن يعود عن قرار الاستقالة، ويبقى في الحكومة”.
في هذا الوقت، أوضح مرجع قانوني لـ”الشرق الأوسط”، أن “الاستقالات الموقعة مسبقاً في حال صحتها، تتعارض مع نص المادة 53 من الدستور، التي أوكلت إلى رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة، قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم”، مشيراً إلى أن الوزير “يتحمّل تبعات سياسته أمام مجلس النواب الذي يحق له محاسبته، وليس فقط أمام الجهة الحزبية التي عينته”.
من جهته، رأى قيادي في قوى “14 آذار” أن “خطوة باسيل لا تتعدّى الإجراء الداخلي، بغضّ النظر عن صحتها أو عدمها”. وأعلن لـ”الشرق الأوسط” أنها “تأتي نتيجة تجربة بعض وزراء (التيار الحرّ) في الحكومة السابقة، وعدم قدرة باسيل على استبدالهم أو إقالتهم؛ لأن ذلك يحتاج لموافقة ثلثي أعضاء الحكومة”.
ولفت إلى أن رئيس التيار “يحاول تجنّب الجدل مع مجلس الوزراء عند اضطراره إلى تغيير وزير أو أكثر، وبالتالي لا يكلفه الأمر أكثر من إعلان استقالته المكتوبة مسبقاً، والممهورة بتوقيع الوزير نفسه”، معتبراً أن “كتاب الاستقالة تحوّل إلى سيف مسلط فوق رؤوس وزراء التيار الحرّ، إن لم ينجحوا في تطبيق أجندة باسيل، أو في حال فكر أي منهم بالخروج عن السياسة التي رسمها لهم”.
واستبعد القيادي في “14 آذار” أن تكون خطوة باسيل هذه ترمي إلى الإطاحة بالحكومة؛ لأنه عند اتخاذ قرار الاستقالة لأسباب سياسية، لا يحتاج الأمر إلى استقالات مسبقة.
أخبار متعلقة :