يقف لبنان على عتبةِ مرحلةٍ جديدة مع الاستعداد لانطلاق عمل الحكومة التي نالت للتوّ ثقةَ البرلمان، وأمامها رزمة تحدياتٍ تحْكم روزنامة عُمرها المديد. تحدياتٌ في السياسة والاقتصاد والمال والاستراتيجي.
في معراب، يستريح رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع بين معركتين، قِتالُه السياسي وتضحياته في الطريق الى ولادة الحكومة على مدى نحو 9 أشهر من “شدّ الحبال” حول التوازنات والأحجام والحقائب، واستعدادُه لجولاتٍ جديدة من مواجهةٍ ولو “بالنقاط” في الاستراتيجي، وبلا هوادةٍ في ملفاتِ إدارة الدولة.
وعشية تدشين حكومة “الى العمل” مرحلة “قرْن الأقوال بالأفعال”، حاورتْ “الراي” جعجع، فكان أول كلام إعلامي من “الحكيم” بعد “جلسات الثقة” تطرّق إلى ما ينتظر لبنان، التوّاق للخروج من “الحفرة”، والمنطقة القابعة في فوهة بركان. وفي ما يأتي نص الحوار:
*مبروك الحكومة التي قال رئيسُها سعد الحريري إن أمامها تحدي النهوض بلبنان أو “بيفرط البلد”… السؤال الآن، وربْطاً بالمعارك السياسية القاسية في الطريق إلى هذه الحكومة وما نَجَمَ عنها من أضرار أصابتْ المنظومةَ الدستورية، إضافة إلى ما شهده البرلمان في جلسات الثقة واستعصى على رئيسه نبيه بري معرفة المُوالي من المُعارِض… هل سنكون أمام فريقٍ حكومي متجانس يقبض على الجمر أم أن المتاريس ستعاود التفريط بالفرصة الثمينة لوقْف تقهْقر الدولة؟
– في الحقيقة لا هذا ولا ذاك. إذ لن تكون هناك متاريس في الحكومة تشلّ عملها، ولكن في الوقت نفسه هذا لا يمنع أن هذه حكومة وحدة وطنية، كما سُميت، وتالياً تضمّ أفرقاء من مشارب عديدة ولديهم وجهات نظر مختلفة حيال أمورٍ عدة. وفي رأيي أن ثمة فالقيْن أساسييْن في هذه الحكومة، أي خطّي فصْل رئيسيين:
الفالق الأول على المستوى السيادي الذي يتعلّق بالقرار الاستراتيجي العسكري – الأمني والسياسة الخارجية والنأي بالنفس. وهنا يتموْضع فريقٌ ما زال على ثوابته وهو “14 آذار”، وفريقٌ آخَر يتمثل بقوى “8 آذار”، وهناك أيضاً فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يتأرجح حيال بعض المواقف بين هنا وهناك.
أما الفالق الثاني، أو خطّ الفصل الثاني، فهو على طريقة إدارة الدولة. وهنا يختلف اللاعبون من خطّ فصْل وخطّ فصْل آخَر، أي توجد أكثر من وجهة نظر حيال كيفية إدارة الدولة، بينها تلك التي كانت سائدة خصوصاً في العامين الماضيين والتي عبّر عنها “تيار المستقبل” وفريق رئيس الجمهورية من خلال طريقةٍ معيّنة لإدارة الدولة. ويوجد فريقٌ آخر، وفي طليعته “القوات اللبنانية” والحزب التقدمي الاشتراكي، يطالب باعتماد طريقة مختلفة لإدارة الدولة. وتالياً هذه هي مكوّنات الحكومة مع تمايُزاتهم المختلفة. ولكن هذا لا يعني أنه ستكون هناك متاريس قائمة كل الوقت لمجرّد تبادُل الاتهامات، بل الأمور ستكون مطروحةً للنقاش للوصول إلى الحلول الناجعة.
*تدْخل القوات اللبنانية الحكومة من دون “اتفاق معراب” المعلَّق حتى إشعار آخر، وبعلاقةٍ مع الرئيس الحريري “ينافسكم عليها” تَفاهُمه مع رئيس الجمهورية وفريقه. أيُّ تموْضعٍ سيكون لـ”القوات” داخل الحكومة؟ وهل تَحَوُّلُكم الى ما يشبه “الشرطي” لمكافحة الفساد هو تعويض عن المأزق الذي يطول تحالفاتكم السياسية بعدما كنتم “أمّ العريس” في التسوية التي جاءت بالعماد عون إلى الرئاسة؟
– تأديتُنا دور “شرطي الفساد” ليس بحثاً عن دور ضائع على الإطلاق وهذا باعتراف كل القوى السياسية والمراقبين من دون استثناء الذين يعتبرون أن لبنان يعاني الكثير من المشكلات، ولكن أكثر ما يعانيه هو الوضع الاقتصادي والمالي والواقع على مستوى إدارة الدولة، وتالياً فهذه أولوية قصوى. ومن هنا انبرينا في الوقت الراهن – من دون أن نغفل أو نهمل الجوانب الأخرى وفي طليعتها الجانب السيادي – الى محاولة التأثير في أخْذ الأوضاع الاقتصادية والمالية وإدارة الدولة باتجاه مختلف عما كانت عليه.
وفي ما يتعلّق بتفاهم معراب فهو في بعض الأوقات “على القِطعة”، أما بالنسبة إلى العلاقة مع “تيار المستقبل” فهو ما زال على اقتناعاته ونحن كذلك، وقد تختلف الأمور في المقاربة، لجهة مستوى رفْع السقف هنا أو خفْضه هناك أو في أي موقعٍ نواجه وفي أي موقعٍ لا نواجه. ورأْيُنا معروف، ومن هذه الناحية كل تحالفاتنا ما زالت قائمة مع التمايُزات الموجودة من ضمن كل تحالُفٍ من هذه التحالفات.
*يحلو للبعض وصْف الحكومة الحالية بأنها “حكومة حزب الله” نظراً لاختلال التوازنات العاكِسة لنتائج الانتخابات النيابية، فيما عيْنُ المجتمعيْن العربي والدولي على القوة الضامنة التي يشكّلها التحالف غير الراسخ بين سعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط… في السياسة هل انقلبتْ الدفةُ من ضِفةٍ إلى ضفة؟
– لا أوافق البتة أصحاب هذا القول. ولا شك في أن الانتخابات النيابية الأخيرة أسفرتْ عن تقدُّم بسيط لـ”حزب الله” وحلفائه، ولكن هذا لا ينبع عن تغيُّر في موازين القوى الشعبية، بل مردّه في شكل أساسي إلى أن الفريق السيادي عانى شرذمة شديدة، وخاض كل طرف فيه الانتخابات لوحده باستثناء نحن والحزب التقدمي الاشتراكي، وحيث كنا معاً حققْنا نتائج جيدة جداً.
وفي رأيي أن حتى هذا التقدم البسيط لـ”حزب الله” وحلفائه في البرلمان ليست له ترجمة سياسية. فبالرغم من ذلك، هل كان بإمكانهم الإتيان برئيس حكومة غير سعد الحريري؟ لا، وإلا لماذا لم يأتوا بسواه؟ لأن فروقاتٍ في النتائج بهذا المستوى البسيط لا تجعلهم قادرين على تخطي الثوابت وتحديداً أن الرئيس سعد الحريري هو الأكثر تمثيلاً ومن بعيد في طائفته، وكذلك الأمر بالنسبة الى ثوابت أخرى ليس باستطاعتهم القفز فوقها.
وأكرّر أنه لو أَحْسن فريق 14 آذار إدارة تحالفاته وخاض الانتخابات جنباً الى جنب لكنا وصلْنا الى مجلس نواب شبيه الى حدّ بعيد بما شهدناه في المجالس السابقة منذ 2005 ومن دون أي تَقَدُّم لـ”حزب الله” وحلفائه. مع ضرورة الإشارة على هذا الصعيد الى انه في عقر دار “حزب الله”، أي منطقة بعلبك – الهرمل، حصد “تيار المستقبل” نائباً كما فازتْ “القوات اللبنانية” بنائب.
أما بالنسبة الى الحكومة ووصْفها بحكومة حزب الله، فهناك بعض “العَطَلجيّة” (عاطلون عن العمل) وخصوصاً في عمر متقدّم وبعد ان يجلسوا في المنزل، يتحوّلون الى “النقّ” الدائم… وبعض “العَطَلجيّة” من “14 آذار” تراهم يعتمدون سياسة “النقّ” طوال الوقت ولا يرون الأمور على حقيقتها. وهؤلاء أكثر مَن يشيّعون أن هذه حكومة “حزب الله”.
وسأذكر هنا واقعتيْن حدثتا أخيراً. فالسيد حسن نصرالله شخصياً خرج قبل نحو عشرة أيام وطرح مجموعة عروض في ما خص العلاقات التجارية والسياسية مع إيران، وأبدى تحديداً استعداده للمجيء بمنظومة دفاع جوي من إيران الى الجيش اللبناني، الى جانب الدواء والكهرباء والطرق وغيرها. وبعد ذلك بيومين زار بيروت وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف وقدّم العروض نفسها، وكل ذلك لم يؤدّ الى أي مذكرة تفاهم ولو واحدة حول أي من هذه النقاط. وبالتالي كيف تكون هذه حكومة “حزب الله”؟
والواقعة الثانية تتعلق بالقمة العربية التنموية الاقتصادية التي عُقدت في بيروت. وبالتأكيد حصلت محاولات للضغط في اتجاه دعوة الرئيس السوري بشار الأسد اليها، او إلغائها. ورغم الضغط الكبير وكل التشويش، ماذا كانت النتيجة؟ لم يُدعَ الأسد وانعقدت القمة.
وفي ما خص العلاقة مع الأسد، الجميع يعرفون موقف طهران و”حزب الله” والأهمية التي يعلّقونها على تعويم هذا النظام وإعادة علاقة لبنان معه الى طبيعتها، والكل يدرك المحاولات التي حصلت في هذا الاتجاه، وأيضاً ما كانت النتيجة؟ وتالياً كل أصحاب مقولة إن هذه حكومة “حزب الله” إما أنهم لا يرون الواقع كما هو، وإما أنه لغاية في نفس يعقوب يحاولون تصوير الواقع على أكثر مما هو عليه. ومع الإقرار بأن “حزب الله” حقّق بعض التقدم في الانتخابات النيابية وبالتالي في تشكيل هذه الحكومة، ولكن هذا لا يعني أن هذه صارت حكومة “حزب الله”، بل أن الحزب تقدّم بعض الشيء.
*تعتزّ “القوات اللبنانية” بأنها فتحتْ الطريق أمام وصول العماد عون إلى الرئاسة، في الوقت الذي لم يكن عابراً كلامُ أحد نواب “حزب الله” وتحت قبة البرلمان عن أن “بندقية المقاومة” هي مَن أوصلت زعيم “التيار الوطني الحر” الى رئاسة الجمهورية… رغم الاعتذار الضمني من الحزب عن هذا التوصيف، كيف قرأتَ هذا الأمر؟ وماذا عَنتْ لكم هذه الواقعة بخصوص الموقف من الرئيس بشير الجميل؟
– نعتبر أن الموقف الرسمي لـ”حزب الله” من هذين الأمرين هو الذي صدَر عن رئيس كتلة نواب الحزب، والذي جاء بعد دراسة وعن سابق تصوُّر وتصميم. وبالتالي لا نعير أي أهمية للكلام الذي اطلقه نائبٌ في كتلة “حزب الله” وكان في غير محلّه ولم يكن في سياقه. ويمكننا أن نعتبر أن ما قاله هذا النائب كان كلاماً عابراً ولا يمثّل وجهة النظر الرسمية لحزبه، بينما الموقف الذي طُلب تسجيله في محضر جلسة البرلمان هو الكلام الرسمي.
وفي هذا الإطار أريد قول إن الرئيس بشير الجميل، وإذا أجرينا استطلاع رأيٍ اليوم في أوساط كل الشعب اللبناني، نجد أنه ما زال أكثر شخصية تتمتع بالشعبية وذلك رغم مرور نحو 37 عاماً على استشهاده. والجميع يذكرون الفرحة التي عمّت كافة المناطق اللبنانية بعد انتخابه رئيساً للجمهورية العام 1982. ولا أحد في المناطق الحرّة حينها ينسى ما جرى بعيد الانتخاب والاحتفالات التي سادت، كما لا أنسى ما جرى في المناطق الأخرى ولا وفود المهنئين الكبيرة من كافة الطوائف ومن مشايخ.
بشير الجميل جاء رئيساً بقوته الشعبية وبإرادة اللبنانيين الذين كانوا ينظرون إليه كحلمٍ يريدون أن يتحقق ولا سيما أن الحرب كان مرّ عليها آنذك 7 سنوات، وكانوا تواقين إلى أن يتبوأ سدة الرئاسة ليوصلهم الى شاطئ الأمان والى الدولة التي يريدونها والتي أرادها الشيخ بشير لهم. وتالياً بشير الجميّل انتُخب رئيساً بهذه القوة ولهذه المعاني وليس بقوة دبابة اسرائيلية، وصودف أن حصل ذلك بوجود الدبابة الاسرائيلية ولكن لم تكن هي السبب في وصوله بل التأييد الشعبي العارم والقدرة السياسية الهائلة التي تَمتّع بها.
*قلتم في إطلالةٍ سابقة “إذا أردنا ان ننشئ معارضةً جدّية، هناك خطر الوصول إلى حرب أهلية، فالخلاف ليس على الضرائب، إنما على مسائل سيادية أساسية، وخصوصاً في ظلّ وجود حزب مسلَّح لن يرضى بالمعارضة، والكل رأى ما حصل بين العامين 2005 و 2009 وكم عملية اغتيال وقعت، ولكن عبر الدخول الى الحكومة يمكن أن تحقق بعض النتائج الجزئية”… ثمة مَن فسّر هذا الكلام على أنه تسليم لـ”حزب الله” واستسلاماً لمشيئته وانصياعاً لقواعد اللعبة التي وضعها… كيف تردّون على ذلك؟
– هنا أعود إلى بعض “العَطَلْجيةّ” الجالسين في البيت والذين ليس لديهم عمل سوى “النقّ” طوال الوقت. وهذا الكلام بعيد جداً عن الواقع. فأولاً مَن يستسلم لـ”حزب الله” يستسلم لطروحاته، وثانياً هنا المسألة هي تقنية وتتعلّق بالمقاربة وليست مسألة مبدئية، اذ عندما يتعلق الأمر بالمبادئ، لا أحد يمكن أن يأخذ على “القوات اللبنانية” أي شيء في ما يتصل بالتمسّك باقتناعاتها والإمساك بالخط السيادي كما ينبغي.
والبعض يَعتبر أن الأمور يمكن ان تُحلّ بالضربة القاضية، أي بمعارضة تذهب حتى النهاية بمعنى ان تُحْدِث موجةً تُسْقِط وضعاً معيّناً كما حصل في بعض الدول. وهذا ما يدعو إليه البعض. ولذا، كنتُ أقول إن مثل هذا الأمر “يفرط” البلد ولا يؤدي إلى الخلاص من المشكلة التي نواجهها. وفي رأيي أنه لا يمكن أن نربح معركتنا إلا بالنقاط، أي معارضة بالنقاط بحيث نشارك ونحاول أخْذ الأحداث في الاتجاه الذي يتلاءم مع اقتناعاتنا. أما إذا أردنا السير بالمسار الذي ينادي به البعض أي نحو معارضة بالضربة القاضية فهذا سيكون خطأ كبيراً لأن ثمة احتمالاً كبيراً لأن يؤدي ذلك إلى ما لا تحمد عقباه. ومن هنا استشهدتُ في كلامي الذي أشرتَ اليه في سؤالك بما حصل بين 2005 و2009 (من اغتيالات)، وللأسف فإن البعض يحاول، وكأنه مكلَّف، بأن “يقنّص” دائماً على “القوات اللبنانية” في الوقت الذي نحن بعيدين كل البُعد عن مثل هذه النظريات.
*مَن لم يَرُق لهم كلامكم الدائم عن تَقاطُع في الموقف مع “حزب الله” في مكافحة الفساد، يرون فيه تلميعاً لدور الحزب وتجهيلاً للأضرار الاقتصادية الناجمة عن اقتصاده المُوازي وتعطيله المؤسسات وتَسَبُّبه بانكفاءٍ خليجي – عربي عن لبنان واسترهانه قرار الحرب والسلم، بما يُبقي على معادلة هانوي وهونغ كونغ… هل هو فائض واقعية مقابل فائض القوة؟
– أبداً لا هذا ولا ذاك. ونحن نطرح دائماً كيف أن مجرّد وجود “حزب الله” بالشكل الحالي يشكّل في ذاته عائقاً كبيراً وأساسياً في طريق قيام الدولة في لبنان، وهذا تحصيل حاصل. ولكن إذا شاءتْ الظروف أن يكون الحزب ممثَّلاً في البرلمان نتيجة انتخاباتٍ جدية جرتْ، وبالتالي أن يكون له تمثيل في الحكومة، وإذا صودف مثلاً في مسألة كبواخر الكهرباء، أن كان موقف الحزب مماثلاً لموقفنا، ماذا نقول؟ هل نتنكّر لهذا الأمر ونتجاهله؟ في بعض الأمور يحصل تَقاطُع بالمواقف، ولكن هذا لا ينفي الهوة السحيقة الموجودة بيننا وبين “حزب الله” في ما خصّ المشروع السياسي الأساسي. وتالياً يجب أن نعطي لكل شيء حقه. وعلى المستوى الاستراتيجي نقول ما يجب أن يقال، وعلى الصعيد التكتي لستُ مع الشيْطنة دائماً وعلى طول الخطّ، بل “كل شغلة بشغلتها”.
*عندما تعلنون أن خياركم في مواجهة التحدي الاستراتيجي الذي تشكّله وضعية “حزب الله” وامتداداته هو “الصمود”… ثمة مَن يسأل هل الصمود يكون بإيصال حليف “حزب الله” الأساسي إلى الرئاسة وإعلان أبوّتكم لقانون انتخابٍ أوّلُ المهنّئين بنتائجه كان الجنرال قاسم سليماني وأوّلُ منْتقديه وزير الخارجية السعودي (حينذاك) عادل الجبير؟
– كما دائماً يجري إخراج بعض الأحداث من سياقها الحقيقي والواقعي ووضعْها في إطار آخَر. وسأبدأ بانتخاب العماد عون، حليف “حزب الله” رئيساً للجمهورية. حينها لم يكن أمامنا إلا خيار بين حليفٍ لـ”حزب الله” وحليف لـ”حزب الله”، مع الفارق البسيط أن العماد عون ترك لنفسه حداً أدنى من هامش المناورة وهو ما نراه كل يوم حالياً. وتالياً ماذا كان يفترض أن نفعل؟ وكأنّ الخيار أمامنا كان بين العماد عون والنائب بطرس حرب مثلاً، أو بين العماد عون وسمير جعجع. ولكن للأسف في تلك المرحلة وبفعل بعض التحركات التي حصلت – ولا ننسى هنا أنه كان حصل اتفاق بين الرئيس سعد الحريري ووليد جنبلاط والرئيس نبيه بري على النائب (حينها) سليمان فرنجية – ضاقت خياراتُنا، ولم يعد أمامنا إلا إما انتخاب فرنجية أو عون، وللأسباب المعروفة قررْنا دعْم ترشيح الجنرال عون. أي اننا كنا في ظرف معيّن ومعادلة معيّنة وعلينا أن نختار.
أما في ما خص قانون الانتخاب، فهذه المرة الأولى بعد اتفاق الطائف يتمثّل الشعب اللبناني كما يجب. وإذا لم تأتِ النتائج لمصلحة “14 آذار” كما ينبغي، فالحق ليس على قانون الانتخاب بل على التحالفات التي قمنا بها. ولكن رغم ذلك، ربحْنا صحّة تمثيل فعلية، الى حدّ أنه في منطقة مثل بعلبك – الهرمل حيث لـ”حزب الله” سيطرة كبيرة فيها، تمكّنا (“المستقبل” و”القوات”) من الفوز بنائبين وكان يمكن أن يكونوا ثلاثة لو نجحنا في رصّ صفوفنا أكثر. وبالتالي فإن تهنئة قاسم سليماني هي على عدم تنسيقنا في الانتخابات كما يجب، ولكن ليس على قانون الانتخاب الذي وللمرّة الأولى منذ انتهاء الحرب يؤدي إلى وصول مجلس نواب ميثاقي فعلي، وهذا أمر أساسي جداً للاستقرار في لبنان.
*لافتةً كانت الحركة الإيرانية والسعودية في اتجاه لبنان بعد تشكيل الحكومة وقبل نيْلها الثقة، ما أوحى وكأن في الأمر سباقاً على استمالة لبنان. كيف قاربتم الموقف الرسمي اللبناني من العروض الإيرانية السخية في المجالات العسكرية والاقتصادية والطبية والتي كان مهّد لها السيد حسن نصرالله؟
– بين كلام السيد نصرالله وزيارة ظريف قُدمت عروض كثيرة سأتوقف عند 2 منها لإظهار انها عروض إعلامية ودعائية لا أكثر… ففي ما يتعلّق بتزويد الجيش اللبناني بدفاعات جوية إيرانية، لو كانت هذه الدفاعات موجودة – وإذا كان أحد يريد تزويد الجيش بها فلحماية أجواء لبنان من الطائرات الاسرائيلية – لماذا لا يستخدمونها لمواجهة الاعتداءات والغارات الاسرائيلية المتكررة عليهم تحديداً في سورية؟ وتالياً هذا طرْح غير حقيقي.
أما في ما خص الأدوية، فتبيّن أن السوق اللبنانية أصلاً مفتوحة لكل الأدوية من كل الدول، ولكن كي يدْخل دواء هذه السوق ينبغي أن تكون لديه مواصفات معيّنة وأن يتمّ تسجيله في وزارة الصحة. ومِن كل الأدوية المصنَّعة في إيران هناك دواءان تمكّنا من الحصول على ترخيص وهما موجودان في السوق اللبنانية، أما بالنسبة الى الأدوية الأخرى فلا يمكن أن تكون مسجّلة وذلك انطلاقاً من المعايير الدولية التي يعتمدها لبنان لتسجيل أيّ دواء أكان من إيران أو تركيا أو مصر أو غيرها. والأدوية التركية مثلاً، أيٌّ منها تقريباً ليس مسجَّلاً في السوق اللبنانية، لأنه لا يتوافق مع المعايير الدولية التي يتّبعها لبنان. وتالياً هل يعْرضون علينا أدوية لا يمكن إدخالها الى لبنان؟ أكيد هذا طرح غير واقعي، وأصلاً السوق ليست مقفلة على الأدوية الايرانية، وهم يطلبون منا القفز فوق القانون والمعايير وأن نُغْرق سوقنا بأدوية لا نعرف مدى فاعليتها ولا جودتها.
ومشكلتنا الفعلية في الأدوية عكسية، إذ تبيّن أن صناعة الدواء اللبناني من الأكثر تطوراً، وتضاهي حتى بعض المَعامل الأوروبية ولكن ما ينقصنا هو الأسواق الخارجية انطلاقاً من المنافسة الدولية الكبيرة. ومن هنا إذا أرادتْ إيران أن تخدم لبنان في هذا المجال فلتفتح سوقها للدواء اللبناني وليس العكس، لأن لديه المواصفات والشهادات العالمية المطلوبة، ومن جهة أخرى جودتُه مشهودٌ له بها.
*التقيتم المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا خلال زيارته لبيروت، هل شعرتم بوجود قرار سعودي بعدم ترْك الساحة لإيران في لبنان رغم حرص طهران على إظهار تَفَوُّق حلفائها في الوضع اللبناني؟
– نعم لاحظتُ ذلك. وهناك تَوَجُّه سعودي متزايد لعدم ترْك الساحة اللبنانية والاهتمام قدر الإمكان بها بالرغم من انشغال المملكة في الوقت الحاضر بعدة ساحات أخرى في المنطقة.
*المنطقة بعد مؤتمر وارسو تتجه نحو المزيد من شدّ الحبال تحت عنوان الحدّ من نفوذ إيران وأذرعها وعلى رأسها “حزب الله”… أيّ أفقٍ ترون لهذه المواجهة؟ وهل تعتقدون أن “ورقة توت” النأي بالنفس ستشكّل “بوليصة تأمينٍ” كافيةً لحماية لبنان من أن يكون في عيْن هذه المواجهة، وخصوصاً أن نصرالله أعلن صراحة “أننا لن نترك إيران وحيدة”؟
– في ما يتعلق بالمواجهة في المنطقة، أرى وحتى إشعار آخر أنها جدية، وليس بالضرورة ان تتحوّل الى عسكرية، وربما تتحوّل. ولكنها مواجهة جدية على المستوى السياسي والاقتصادي. أما أفقها لاحقاً، فلا أدري.
وفي ما خص سياسة النأي بالنفس، فلا بديل عنها ولسنا مستعدّين للتخلي عنها تحت أي ظرف. لأنه خارج هذه السياسة “خراب بخراب”. اما عن قول السيد نصرالله أنه لن يترك إيران وحيدة، فهو شخصياً يمكنه ألا يتركها، ولكن الدولة اللبنانية لا يمكنها أن ترهن مستقبل شعبها لتدْعم أي محور خارجي.
أخبار متعلقة :