يعقد مجلس الوزراء الخميس أول جلسة عمل بعد خروج الحكومة الجديدة من مجلس النواب الأسبوع الماضي بثقةٍ مرموقةٍ إما تكون قوةَ دفْعٍ لورشة النهوض الاقتصادي – المالي التي يشكّل «مؤتمرُ سيدر 1» قاطرتَها، وإما يُبَدِّد مفاعيلَها التدافُعُ السياسي المرشَّح أن يطلّ برأسه على خلفية عناوين إشكالية «بكّرتْ» في البروز مثل التطبيع مع النظام السوري واحترام سياسية «النأي بالنفس» وأخرى يُخشى أن تُستخدَم لتصفية الحسابات بـ«مفعول رجعي» أو كـ«سيف مصلت» على المرحلة المقبلة وأجندتها الإنمائية – الإصلاحية مثل ملف الإنفاق المالي لحكومتيْ الرئيس فؤاد السنيورة بين 2006 و2009 والبالغ 11 مليار دولار والذي عاود «حزب الله» بلسان أمينه العام السيد حسن نصر الله فتْحه.
ولاحظتْ أوساط سياسية أن الجامِع بين زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب لدمشق أول من أمس، وكلام وزير الدفاع الياس بو صعب في مؤتمر ميونيخ للأمن وتحفُّظه عن وجود منطقة آمنة بين سورية وتركيا واعتباره أي وجود عسكري تركي على الأراضي السورية من دون موافقة دمشق هو «احتلال»، أن هذين التطوريْن يرتبطان بوزيريْن من فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وإن كان الغريب يمثّل النائب طلال ارسلان (الوثيق الصلة بالنظام السوري)، لافتة إلى أن هذا الأمر يطرح علامات استفهام حول تأثيراته على العلاقة بين عون ورئيس الحكومة سعد الحريري اللذين يرتبطان بتفاهماتٍ عميقة حول إدارة اللعبة الداخلية وملفاتها «المحلية» مع تحييد العناوين الخلافية ذات الصلة بالواقع الاقليمي وارتباطات لبنان به.
وترى الأوساط أن خطوة الغريب خصوصاً يمكن اعتبار أنها باتت أشبه بعملية «جسّ نبضٍ» لردّ فعل الرافضين لها، ولا سيما الحريري وحلفائه وتحديداً حزب «القوات اللبنانية» و«التقدمي الاشتراكي»، بحيث أن الاكتفاء بـ«إشاحة النظر» عنها أو التعبير عن الاعتراض «العابِر» عليها بوصْفها «شخصية وإعلامية وغير رسمية ولا تُلْزم الحكومة اللبنانية» يمكن أن يفتح الباب أمام المزيد من «قضْم» ما تبقى من عنوان «النأي بالنفس» الذي يشكّل «خط الجاذبية» الذي يُبْقي على الاهتمام العربي والدولي بالواقع اللبناني و«المعيار» لعدم سقوط البلاد بالكامل في «المحور الإيراني»، محذّرة من تداعياتٍ بالغة السلبية لأي تفرُّد لبناني في التطبيع مع النظام السوري من خارج المظلة العربية الجامِعة وتفاهماتٍ دوليةٍ «تحمي ظهر» بيروت.
وارتسم امس مشهدٌ «انقسامي» عبّر عنه استقبال عون لوزير الدولة لشؤون النازحين حيث اطلع منه على نتائج زيارته لدمشق ولقاءاته مع المسؤولين فيها في ما بدا أنه رسالة من عون بأنه «يغطي» هذه الزيارة، وذلك قبل ان يستدعي الحريري، الغريب على وقع نفي مصادره أن يكون تبلّغ بمحطة الوزير في سورية، ناقلة عن رئيس الحكومة انه «كما لم يوافق من قبل على زيارة أي من الوزراء المعنيين الى دمشق، فهو لذلك ليس موافقاً على هذه الزيارة تحديداً، وبالتالي لا يمكن اعتبارها سوى زيارة خاصة لا تُلزم الحكومة اللبنانية».
ورغم «الفرْز» السياسي بين 14 و8 آذار الذي استعيد على خلفية الملف الخلافي المتّصل بالعلاقة مع سورية، وسط ملاحظة الأوساط نفسها ان «حزب الله» الذي يَمضي بانخراطه العسكري في أكثر من ساحة في المنطقة لم يَظهر في واجهة هذا الملف، فإنها رأتْ في تظهير الحريري اعتراضه على زيارة الغريب بخطوة عملية (استدعائه)، وإن لم يُعرف إذا كان ستفرْمل زيارات لاحقة له أو لوزراء آخَرين، إلا انها عكستْ محاولةً من رئيس الحكومة لمعالجة هذا الأمر خارج طاولة مجلس الوزراء أولاً لتفادي «التشويش» على مهمة «الى النهوض أولاً» وثانياً تلافياً لأي بحث رسمي في العلاقة مع سورية، ولو من بابٍ إشكالي.
وكان لافتاً موقف للسفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد بعد زيارتها الحريري، إذ قالت في إشارة ضمنية الى «حزب الله»: «كنتُ صريحة مع رئيس الوزراء حول قلق الولايات المتحدة بشأن الدور المتنامي في الحكومة لمنظمة لا تزال تحتفظ بميليشيا لا تخضع لسيطرة الحكومة، وتستمر في اتخاذ قراراتها الخاصة بالأمن القومي وهي قرارات تعرض بقية البلاد للخطر، وتستمر في خرق سياسة النأي بالنفس التي تعتمدها الحكومة من خلال مشاركتها في نزاع مسلح في ثلاث دول أخرى على الأقل. وهذا الوضع لا يساعد على الاستقرار، بل يشكل زعزعةً له بشكلٍ أساسي».
وإذ أمِلتْ «ألا ينحرف لبنان عن مسار التقدم الذي هو أمامه الآن»، أكدت «نريد مواصلة دعمنا الطويل والشامل للبنان. وكما قال الوزير بومبيو في الآونة الأخيرة، نحن شركاء مع لبنان لتحقيق نتيجة جيّدة لشعب لبنان».