فيما كانت الحكومةُ الجديدةُ تحاول أن تتلمّس في “أوّل دخولها إلى العمل” طريقاً لتوفير “مساكَنة آمِنة” بين ضرورة توفير مناخٍ وزاري يساعد على إعطاء ورشة النهوض الاقتصادي – المالي زخمها المطلوب وبين “الهوة السحيقة” الاستراتيجية التي تفصل بين بعض مكوّناتها، عادت الانتخابات النيابية الى الواجهة بعد 9 أشهر ونصف الشهر من إجرائها، وذلك من بوابةِ بتّ المجلس الدستوري بالطعون التي كانت قُدّمت أمامه آخذاً بواحدٍ منها فقط قضى بإبطال نيابة النائبة ديما الجمالي من دون إعلان فوز الطاعِن بمقعدها السني في طرابلس الذي بات شاغراً على أن يُملأ بعد انتخابات فرعية يجب ان تُجرى خلال شهرين.
وسرعان ما أزاحتْ “المفاجأة غير المفاجئة” من المجلس الدستوري “العدسةَ” عن جلسة “تدشين” عملِ حكومةِ “الآمال الكبيرة التي يعلّقها عليها الناس” كما وصفها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والتي انعقدت بجدول أعمال مزدحم من 103 بنود.
ولم يكد “الدستوري” أن يعلن “حكمَه المبرم” في ما خصّ مقعد الجمالي حتى بدا أن هذا التطوّر سيعاود إحياء أجواء “الحماوة” التي رافقتْ الأشهر التسعة تقريباً التي استغرقتْها ولادة الحكومة بفعل “شد الحبال” القاسي الذي دار تحت عنوان ترجمة نتائج الانتخابات ولا سيما في ما خص تمثيل النواب السنّة الستة الموالين لحزب الله الذي استخدم “ورقتهم” لجعْل رئيس الحكومة سعد الحريري “يدْفع” من رصيد “حصرية” تمثيله المكوّن السني في الحكومات و”من جيْب” عون الذي كان فريقه يسعى للإمساك بالثلث المعطّل.
والواقع أن طه ناجي الذي تَقَدّم بالطعن ضدّ نيابة الجمالي كان أحد الأسماء التي طُرحتْ من النواب السنّة الستة الموالين لحزب الله لتوزيره من حصّة عون “كممثّل حصري عنهم” قبل أن يرسو الخيار على اسم حسن مراد. ومن شأن المعركة المرتقبة على المقعد السني في طرابلس بينه وبين الجمالي أن تكتسب أبعاداً بالغة الدلالات إذ سيسعى من خلالها تيار المستقبل إلى “ردّ الاعتبار” في عاصمة الشمال التي كانت انتخابات 2018 جرتْ فيها من ضمن دائرة ضمّتْها والمنية والضنية على أساس نظامِ اقتراعٍ نسبي اعتمد الحاصل الانتخابي والصوت التفضيلي وحَصَدَ فيها “المستقبل” 5 مقاعد مقابل 4 للائحة الرئيس نجيب ميقاتي و2 لتحالف ضمّ النائب فيصل كرامي و”الأحباش” وآخَرين.
وفيما كانت “كتلة المستقبل” تستعدّ لاتخاذ الخطوة التالية، جاء موقف النائب كرامي الرافض لما وصفه بـ”الهرْطقة” والقرار “المخالِف للدستور وأبسط قواعد العدالة” باعتبار أنه لم يعلن فوز طه ناجي “رغم أن فارق الكسر الانتخابي هو لمصلحة لائحتنا ولو كان ضئيلاً” ليعكس استشعاراً بصعوبة تحقيق فوز على “المستقبل” في واحدة من “قلاعه” وبنظامٍ أكثري والأهمّ في ظلّ تأكيد “الدستوري” ان “الفرعية” ستقام في دائرة طرابلس لوحدها (وليس معها المنية والضنية) ووسط علاقاتٍ تحالفية توثّقت بين الحريري وميقاتي والوزير السابق محمد الصفدي الممثليْن في الحكومة من حصة رئيس الحكومة الأول بأحد القريبين منه والثاني بزوجته.
وإذا كان النائب عدنان طرابلسي اعترض بدوره على القرار من باب عدم إعلان فوز ناجي “ومع ذلك سنتعاطى مع القرار بموضوعية وحكمة”، فإن جانباً آخر من قبول الطعن أثار التباساتٍ وتمثّل بكون هذا القرار صَدَرَ بأكثريةِ 7 مقابل 3 خالفوه وسط معلومات عن أن القاضي الذي وفّر الغالبية المطلوبة لإبطال نيابة الجمالي وهو أحمد تقي الدين (شيعي) كان وقّع حين وضع تقريره حول الطعن على ردّه قبل أن يغيّر رأيه عندما بات الإبطال على طاولة القرار، ما دفع البعض للحديث عن ضغوط سياسية مورست على “الدستوري” الذي نفى رئيسه القاضي عصام سليمان ذلك بشدة.
وكان سليمان أعلن في مؤتمره الصحافي عدم الأخْذ بالطعون الـ17 الأخرى التي إما ردّها “نتيجة ما توصّلتْ اليه التحقيقات والاستقصاءات” التي قام بها أو “نظرا لعدم تضمنها وقائع تساعد على التوسع في التحقيق، وللفارق الكبير بالأصوات بين الطاعنين والمطعون بنيابتهم” وإما أجرى بموجبها “تصحيحاً للنتائج بسبب أخطاء أو مخالفات من دون أن يؤدي التصحيح لإبطال نيابات بسبب الفارق الكبير بالأصوات بين الطاعنين والمطعون بنيابتهم.