خبر

ماذا قال قاطيشه عن الأمن المائي للخليج العربي؟

تتنوّع أساليب التهديدات البحرية ووسائطها، ومعها ترتفع الحاجة إلى تأمين القطع البحرية وخاصة التي تبحر في الممرّات المائية ومنها المضائق والقنوات. وبين طرق التهديد التقليدية وأنظمة الحرب الحديثة يبقى أمن الممرّات المائية هو أبرز قضية تسعى الدول المجاورة إلى تحصينها. فالممرات المائية هي الشريان الحيوي للملاحة البحرية والتجارة العالمية، فكيف إذا كانت تجارة النفط والغاز؟ وهنا تبرز أهميّة حماية مضيقي هرمز وباب المندب وقناة السويس من أي ما يمكن أن يعكّر صفو مياهها وأمنها. ولكن مع تصاعد الأنشطة الإيرانية بين الفينة والأخرى، والتهديدات بإغلاق المضائق عند كل أزمة سياسية، ومحاولاتها المتكرّرة لاستخدام المضائق كآخر الأوراق الرابحة في رصيدها، يبقى السؤال:

هل يمكن إغلاق المضائق بوجه الملاحة البحرية؟ وكيف يمكن حماية المضائق من التهديدات المتماثلة وغير المتماثلة؟

تهديدات متنوّعة:

تختلف المخاطر التي تحيط بالمضائق المائية. وفي حديث خاص للأمن والدفاع العربي مع عضو تكتّل الجمهورية القوية، الجنرال المتقاعد في الجيش اللبناني، النائب وهبي قاطيشه تم استعراض أبرز التهديدات التي تحيط بالمضائق.

وقال قاطيشه: “يعتبر مضيق هرمز من أهم المضائق استراتيجياً في العالم. يمكن تهديده من قبل إيران بأربعة وسائل: إما بواسطة زرع ألغام بحرية في الممرات، أو إرسال طرّادات مفخخة يقودها انتحاريين لتفجير السفن، أو عبر سلاح الجو الإيراني (وهو ضعيف)، أو من خلال طائرات مسيرة. ”

ولفت قاطيشه إلى أعمال إيران التي هدّدت المضيق في السابق قائلا: ” زرع الإيرانيون ألغاما عام 1988 في مضيق هرمز وأثناء مرور كاسحة ألغام أميركية انفجرت فيها إحدى الألغام. ولكن ما لبثت الولايات المتحدة الأميركية أن ردّت في حينه منذ 30 سنة ودمّرت قاعدتي بترول في الخليج تابعين لإيران واشتبكت مع البحرية الإيرانية وأغرقت عددا من السفن الحربية الإيرانية وتسببت بمقتل 85 عسكري إيراني. ”

وبعد تشديده على أهمية المضائق في الاستقرار العالمي، رأى قاطيشه أن “أي عمل إيراني من هذا النوع هو مدان ليس فقط من قبل الولايات المتحدة بل الأمم المتحدة ككل، لأن الممر لا يخضع للسلطات الإيرانية بل يعتبر عملا ضد الأمم المتحدة وكل دول العالم. وفي حال حاولت إيران إغلاقه ستقوم الولايات المتحدة الأميركية بردّة فعل قاسية قد لا تتحملها إيران. ”

واستبعد قاطيشه أي محاولة إغلاق إيرانية للمضائق لأنها غير قادرة على هذه الخطوة لكنها تصعّد اللهجة من وقت إلى آخر لأن “هذه طبيعة هذا النظام.”

أما فيما يتعلٌّق بمضيق باب المندب فاعتبر النائب اللبناني، أن التهديدات أقل بكثير إلا في حال سيطرت إيران وحلفاؤها الحوثيون على اليمن عندها يهددون مرور السفن الحربية والتجارية لكسب سياسي دولي “لكن الحوثيين اليوم في مجال التراجع ويمكن أن يقوموا بعمليات صغيرة ولكن المضيق غير مهدد.”

وتجدر الإشارة إلى أن مضيق باب المندب تحدّه جيبوتي وأريتريا من الغرب واليمن من الشرق. وتقيم فرنسا قاعدة عسكرية لها في جيبوتي منذ عشرات السنوات وهي تشرف على الأمن البحري في هذا الممر. أما الأسطول البحري الأميركي في المحيط الهندي فهو موجود للإشراف على سلامة المرور في هذا الممر. كما اتفقت الصين مع جيبوتي لوضع قاعدة عسكرية هناك تجارية وعسكرية لتأمين الممر.

ولكن مضيق باب المندب شهد قرصنة بحرية منذ عقود. فهناك بعض القراصنة الذين يخطفون أو يسرقون سفنا تجارية أو نفطية ويطلبون جزية عليها وخاصة على المداخل الجنوبية لمضيق باب المندب بوجه الصومال.

وأكّد قاطيشه أن البحرية الأميركية تواجدت هناك ووضعت حدا لكل هذه التجاوزات. “فالأسطول الأميركي موجود في المحيط الهندي. والقاعدة العسكرية الفرنسية منذ عشرات السنين في جيبوتي مفتوحة على المحيط الهندي. وهناك توافق عالمي لمنع القرصنة.”

هل تستطيع إيران إغلاق مضيق هرمز؟

مشاركة أكثر من 30 شركة دفاعية تركية في معرض ديمدكس 2018 في قطر

يرى الخبراء أن إيران قادرة على القيام بعمل عدائي وإغلاق مضيق هرمز ولكن لكم من الوقت سيبقى مغلقا؟ هذا ما يجب التركيز عليه.

وفي حديث خاص للأمن والدفاع العربي مع رئيس مركز “الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري – انيغما” والخبير العسكري رياض قهوجي، لفت إلى أن إيران تستطيع إغلاق مضيق هرمز والتأثير على الملاحة. وقال: “لكن السؤال يبقى كم من الوقت تستطيع إبقاء هذه المضائق مغلقة؟ لأن هذه المضائق هي مركز التصدير الرئيسي للنفط والغاز والملاحة البحرية. فعمل كهذا بإغلاق مضائق يعتبر تهديدا للأمن العالمي، وبالتالي سيكون هناك ردّ أكبر من الولايات المتحدة والقوى الغربية وإيران ستدفع ثمنا باهظا وعندها سيعود افتتاحه ضمن أسابيع ولكن هذا سيجر حربا كبرى وقد تكون عالمية على إيران” .

واستطرد قهوجي: ”رأينا الزوارق التي يتم التحكّم بها عن بعد وهي زوارق صغيرة تقوم بغارات سريعة. فالحرس الثوري الإيراني اليوم يرتكز عليها بشكل أساسي. خاصّة وأن بعضها مجهّز بطوربيدات وبعضها بصواريخ كروز وبعضها يستخدم في العمليات الانتحارية.  كما تطوّر إيران الكثير من الصواريخ الجوّالة ولكن هناك إجراءات مضادة لمواجهتها. إلا أنها تبقى قاتلة. “

ورداًّ على سؤال حول الأمن المائي لدول الخليج، وقدرتها على التصدّي للهجمات الإيرانية، أجاب قهوجي: “على دول الخليج أن تعزّز قدراتها البحرية، فاليوم دول الخليج أصبح لديها أقوى قوات جوية في المنطقة ولكن عليها العمل كثيرا على القدرات البحرية، وخاصة المملكة العربية السعودية، فهي تشبه الجزيرة، محاطة بالماء من معظم الجهات. وبالتالي، تحتاج أن تعزيز قدراتها البحرية وهذا ما نراه مع البرامج البحرية للسعودية والإمارات ودول الخليج. ”

وحول إغلاق إيران لمضيق هرمز تتشابه آراء الخبراء. فيرى العميد المتقاعد في الجيش اللبناني أحمد تمساح أن أحدا لا يجرؤ على إغلاق مضيق هرمز. واعتبر تمساح أن ” كل سلاح يستخدم للمرة الأولى يتم كشفه، وبالتالي تقوم الشركات الدفاعية بإنتاج إجراءات مضادة له. حتى لو كان السلاح أسرابا من القوارب السريعة المسيّرة، فقد تم البتكار الرشاشات ذات الفوهات المتعدّدة لمجابهتها.”

وخلال مقابلة خاصة للأمن والدفاع العربي مع العميد (م) تمساح، رأى أن مشاركة إيران في الحرب في اليمن تنبع من سعيها للسيطرة على المضائق والمساومة لاحقا. وختم تمساح: “الأمن المائي في الخليج العربي هو أمن الولايات المتحدة. لذلك لا يوجد مساومة ويبقى خيار إستخدام السلاح النووي مطروحا على الطاولة في أسوأ الحالات.”

الألغام البحرية بين الماضي والحاضر:

في حين يعتبر البعض أن الألغام البحرية موجودة فقط في كتب التاريخ، يؤكّد الخبراء أنها لا تزال من أبرز المخاطر التي تهدد الملاحة البحرية إلى جانب الصواريخ المضادة للسفن، وعمليات الحرب غير المتماثلة البحرية.

فالألغام البحرية تبقى السلاح الأكثر استخداما ولا زالت فعّالة حتى يومنا هذا. خاصة وأنها تواكب العصر وطالها التطوّر والتحديث. وقال قهوجي في هذا السياق: “لم تعد ألغام اليوم كألغام الحرب العالمية الثانية أو ألغام الحرب الباردة التي تعتمد على المغنطيس لتتبّع المعادن، أو تثار عند الحركة. بل أصبحت اليوم جزءا من منظومة ذكية مزروعة تحت الماء أو تطفو على السطح، وتبقى القنابل البحرية الأكثر قدرة على إغلاق ممرات مائية. ”

وتجدر الإشارة إلى أن الجيل الجديد من القنابل البحرية قادر على التخفي بحيث يصعب إيجاده. حتى أن هناك ألغام بحرية تشبه الصخور أو الطحالب البحرية ولا تشبه الألغام حتى. وهذا النوع من الألغام معقّد جدا ويحتاج إلى تقنيات متطوّرة جدا لإبطال مفعوله.