يتأثر لبنان بعمق بالحرب الدائرة في سوريا، لا فقط بسبب القرب الجغرافي بين البلديْن الحدودييْن، لكن أساسا بسبب التداخل في السياسات والولاءات، والذي لم ينته بخروج الجيش السوري مرغما من لبنان، في سنة 2005، بعد 29 سنة. ظل النفوذ السوري حاضرا بقوة، بل وبطريقة أخطر، وجود قوى لبنانية فاعلة مؤيدة له. ولم يتحول لبنان إلى بلد آمن، بل إن الوضع ازداد خطورة مع اندلاع الحرب في سوريا في سنة 2011. ليجد لبنان نفسه في قلب هذه الحرب مؤثرا فيها ومتأثرا بها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. غيّرت الحرب الكثير من مظاهر الحياة في البلاد في أدق تفاصيلها من عقدها السياسية إلى اقتصادها إلى طبيعة المجتمع في حد ذاته، الذي تأثر كثيرا بأزمة اللاجئين السوريين.
اليوم، تأتي هذه القضية على رأس المتابعات اللبنانية. وتكشف في جانب كبير منها إلى أي مدى يشكّل الواقع السوري الراهن خطرا وجوديا على لبنان، المنهك اقتصاديا وسياسيا والصغير جغرافيّا، الذي يستضيف مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين، ويستقبل أعدادا كبيرة من اللاجئين السوريين، الذين تحوّلوا إلى ورقة مساومة سياسية بين فريق لبناني مؤيد للنظام السوري وآخر رافض لتطبيع العلاقات، في ظل الظرف الراهن المعقّد أو من خلال استغلال ورقة اللاجئين؛ وهو أمر يرفضه وزير الإعلام اللبناني، جمال الجراح، الذي يؤكد أن لا أحد يمكن أن يجبر اللبنانيين على “على التطبيع مع النظام السوري عبر استخدام موضوع اللاجئين السوريين”.
ويستضيف لبنان 1.5 مليون لاجئ سوري، بينما تقدرهم الأمم المتحدة بنحو 997 ألف لاجئ مسجلين لديها حتى نهاية نوفمبر 2017، إضافة إلى لاجئين سوريين غير مسجلين. وقبل أشهر، بدأ عدد من اللاجئين عودة “طوعية” إلى سوريا، بالتنسيق بين كل من السلطات اللبنانية والنظام السوري والأمم المتحدة.
يشير الجراح، الذي ينتمي إلى تيار المستقبل، بزعامة رئيس الوزراء سعد الحريري، إلى أن الجميع في لبنان “يتمنى عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم لأسباب عديدة، منها العبء الذي يضغط على واقعنا الاجتماعي والأمني والسياسي وعلى البنى التحتية”، فلبنان لا يستطيع أن يتحمل مليون ونصف المليون نازح في كل المجالات، لكن، يشدد على ضرورة أن “تتم العودة إلى مناطق آمنة، بإشراف الأمم المتحدة، أو بحسب المبادرة الروسية التي أُطلقت مؤخرا”.
وتؤمّن المبادرة الروسية عودة نحو 890 ألف لاجي سوري من لبنان، بحسب ما أعلنه الرئيس اللبناني، ميشال عون، في يوليو الماضي. ويعرب الجراح عن أمله أن تتبلور المبادرة الروسية، وتأخذ أبعادها العملية، وأن تتم العودة عبر تلك المبادرة أو حتى مبادرات دولية أخرى. لكنه يؤكد على أن العبء الذي يمثله اللاجئون السوريين لا يعني أبدا “إجبارهم على العودة” دون ضمانات لحمايتهم من انتقام النظام، كما حصل ببعض الذين عادوا. وطالب الجراح بحماية دولية للعائدين، وصدور عفو معيّن عن النظام السوري وأن تكون حياة هؤلاء العائدين مصانة.
وتتخوّف المنظمات الإنسانية والحقوقية على مصير اللاجئين العائدين إلى سوريا، خاصة أن النظام السوري لا يسمح لتلك المنظمات، ومن بينها الأمم المتحدة، بمرافقة اللاجئين في أثناء عودتهم والاطمئنان على أوضاعهم المعيشية والأمنية.
تأتي قضية عودة اللاجئين السوريين كعنوان أزمة على طويلة الحكومة اللبنانية حديثة العهد. ويوضح الجراح أن البعض في لبنان (لم يسمّهم) يحاولون استخدام موضوع اللاجئين لإعادة التطبيع مع النظام السوري، دون الوصول إلى النتيجة المرجوّة بموضوع اللاجئين، مضيفا أن الذين يدعون إلى التطبيع مع النظام السوري لا تهمهم عودة اللاجئين من عدمها.
ما نسمعه من سفراء ووزراء خارجية عرب هو أن الأمور غير ناضجة لعودة سوريا، ولم ينتج التوافق على عودتها، فهناك آليات وخطوات يجب أن تُتخذ من النظام السوري للعودة إلى الجامعة.. القرار ليس للبنان لوحده، ولا للنظام السوري لوحده
وأعلن سعد الحريري تشكيل حكومته الجديدة في 31 يناير 2019 بعد جمود دام تسعة أشهر. ومازالت منقسمة وتكافح من أجل التعافي من الصراع الاقتصادي الكبير والأزمات الداخلية التي يضاعف الوضع الإقليمي من تعقيداتها، حيث يدفع لبنان ثمنا باهظا نظير تورط حزب الله في سوريا، وخدمته لأجندة إيران في لبنان والمنطقة.
وهنا، لا ينفصل القرار البريطاني بتصنيف حزب الله تنظيما إرهابيا، عن بقية التداعيات التي لحقت بلبنان، سياسيا واقتصاديا، نتيجة ممارسات الحزب. وكانت بريطانيا صنّفت، الشهر الماضي، حزب الله بكافة أجنحته منظمة إرهابية، ما يعني أن كل من يدعمه أو ينضمّ إليه أو يروّج لأنشطته يواجه عقوبة قد تصل إلى السجن أكثر من عشر سنوات.
ورأت الحكومة البريطانية أن حزب الله مستمر في محاولاته لزعزعة استقرار الوضع الهشّ في الشرق الأوسط. ويعتبر الجراح أن “بريطانيا أخذت هذا القرار بناء على معطيات كدولة صاحبة سيادة”، مضيفا “حزب الله مكوّن من مكوّنات الشعب اللبناني، ومشترك في الحكومة، وله أعضاء في المجلس النيابي (البرلمان)، والدول الأوروبية لها برنامجها السياسي الخاص، ولا نستطيع أن نقول لبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة كيف تكون نظرتهم لحزب الله”. ويعتبر الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لحزب الله إرهابيا، بينما تعتبر كل من الولايات المتحدة وإسرائيل التنظيم بكافة أجنحته إرهابيا.
ثمة حديث عن استخدام البعض ملف عودة اللاجئين من لبنان للضغط على بيروت، ضمن جهود لإعادة نظام بشار الأسد إلى مقعد سوريا المجمّد في الجامعة العربية، منذ عام 2011 بسبب اعتماده الخيار العسكري في مواجهة الاحتجاجات المناهضة له. لكن، الجراح يشير إلى أن “هذا الموضوع مختلف تماما” و”عودة سوريا إلى الجامعة العربية تقررها الجامعة والدول العربية”، مؤكدا أن “ما نسمعه من سفراء ووزراء خارجية عرب هو أن الأمور غير ناضجة لعودة سوريا، ولم ينتج التوافق على عودتها، فهناك آليات وخطوات يجب أن تُتخذ من النظام السوري للعودة إلى الجامعة.. القرار ليس للبنان لوحده، ولا للنظام السوري لوحده”.
يواجه لبنان أزمة مالية أثّرت على معظم الصحف والقنوات، وأدّت إلى إقفال صحف، منها السفير والمستقبل والأنوار، وتقليص نفقات أخرى. ويشير الجراح إلى أن “الأزمة المالية، التي يمر بها الإعلام اللبناني، كانت مدار بحث في الحكومة السابقة، لكن نتيجة الأوضاع المالية التي يمر بها لبنان، وعجز الموازنة، لم يتم الموافقة على طرح الخطة لمساعدة وسائل الإعلام اللبنانية بمختلف مؤسساتها”. ويضيف قائلا إن “هكذا مشروع يحتاج إلى مبالغ ضخمة، والدولة في الوقت الحاضر غير جاهزة لتلبية هذه المتطلبات”، معتبرا “موضوع انتقال القنوات إلى التشفير مطروح، لكن ليس بشكل جدّي، لأنه يحتاج إلى بحث دقيق”.