أكد رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان ان “الدول ترسم سياستها العامة قبل ان تصل الى القضاء والعدالة والاقتصاد وباقي السياسة المتفرعة. ما يحصل في موضوع الفساد في لبنان امر جيد، وأيقظ الوعي لدى الجميع من عدم التهرب من هذا الموضوع، لكن يجب في المقابل ايقاف ما يسمى بالفساد الاكبر والمتمثل بخرق الدستور”.
وقال عبر جريدة “الشرق”، “السؤال المطروح عندما يتقاعس الرئيس، ورئيس الوزراء، والنائب، ورئيس الحزب عن القيام بواجباتهم الدستورية ألا يعني ذلك فسادا ايضا؟ ألا يعني تعطيل الرئاسة لسنتين فسادا، وتمديد المجلس النيابي، وتعطيل المجلس الدستوري، كل هذا ألا يعني فسادا؟ عندما نعطل تشكيل الحكومة بين 9 و7 اشهر، ألا يعني فسادا؟. برأيي هذا هو الفساد الاكبر المتمثل بخرق الدستور”.
واضاف سليمان، “من هنا، يجب محاسبة كل من اقترف أخطاء كبيرة كانت أم صغيرة، وذلك عبر وضع خطط واضحة كي لا تطبق مكافحة الفساد عبر الكيدية السياسية، والطائفية السياسية، والصراع المذهبي. فليكن التحقيق بـ11 ملياراً، وبـ27 ملياراً، لكن يجب ان تسير الامور بهدوء اكثر، وألا تصبح تحديا لاشخاص، وبفتح ملفات قديمة. وسأل: لماذا لا يسجل للرئيس السنيورة دعمه للقضاء على اول آفة ارهابية كانت تؤسس لداعش في لبنان وهي فتح الاسلام؟”.
وعن رأيه، عندما يتحدثون عن سرقة 11 ملياراً من خزينة الدولة؟ أجاب، “لست محللا اقتصاديا، انما اود ان اشير الى ان الرئيس السابق فؤاد السنيورة ليس سارقا للمال العام. ربما اتخذت حينها قرارات غير منتظمة في كيفية الصرف المالي لاسباب عدة ابرزها تعطيل الحكومة، اقفال المجلس النيابي. وهنا أسأل هل ما يحصل اليوم محاكمة وعدم انتخاب رئيس للجمهورية لسنتين هو اقل من خطأ، وقد شكل ذلك خرقا فاضحا وواضحا للدستور؟ فعندما وضعنا معادلة الجيش والشعب المقاومة، كان من المفترض على المقاومة ان تستشير الجيش والشعب، هل فعلت هذا الأمر ووقفت عند رأي الحكومة عندما تدخلت في الخارج. فالثلاثية يجب ان تكون متكاملة ومتعاونة”.
سئل: هل الهمروجة القائمة اليوم حول الفساد ستصل الى نتيجة؟
اجاب: اذا نجحت الحملة اليوم بوقف الفساد تكون قد حققت شيئا ما، لكن احب ان اقول “مرتا مرتا انك تهتمين بامور كثيرة والمطلوب امر واحد”. هل الفساد وحده يهمنا اليوم فقط في لبنان، أين القرار، اين القضاء، أين السلاح، أين الجيش. فالوضع الذي نعيشه مكلف جدا، وسببه الاساسي ضعف الدولة، وضعف الدولة سببه السلاح غير الشرعي”.
وتابع، “أنا مع مكافحة الفساد، ولنعمل معا على وضع أسس لها، ولنتفق على أولويات ضرورية ومهمة لسير عمل الدولة، فلا يجوز تعطيل تشكيل الحكومة ووضع شروط على رئيسها، كما لا يجوز تعطيل المجلس الدستوري، وترك الفراغ الرئاسي. فاستقلالية القضاء امر مهم جدا، لكن الطائفية والتبعية الموجودة في لبنان تحول دون التوصل الى هذا الامر، مع العلم ان هذا الامر حساس جدا ومهم جدا لدور عمل المؤسسات، لذلك يجب اقرار قانون استقلالية السلطة القضائية الموجود في مجلس النواب”.
سئل: هل تعتقد ان هناك نيات صحيحة وصادقة لحل مشكلة الكهرباء؟
أجاب، “هناك تقصير ما في موضوع حل مشكلة الكهرباء. وما يضرنا عدم سيطرة الدولة على كافة الاماكن والمناطق. فعندما يشعر المواطن في منطقة ما انه يقوم بواجباته ويدفع الجباية، في حين ان منطقة أخرى لا تدفع ولا تجبى ضرائبها، فكيف يمكن لهذا المواطن ان يثق بدولته. اننا نعيش مناخا فوضويا في هذه المسالة، واعتقد ان هذا الامر ليس مخططا له انما هو امر واقع”
وردا على سؤال قال سليمان الدولة هي ملح الارض، وعليها التحرك لضبط المرافق، وإقفال الحدود، وضبط السلاح المتفلت. ليس هناك من مناخ جدي للاقلاع ببناء الدولة. فعندما نريد ذلك علينا ان نخلق مناخا مريحا، ونظاما صحيحا، وأجواء اقتصادية غير مربكة.
سئل: كيف علينا بناء دولة، والكل يشتم الكل؟
اجاب: “لا اريد ان ادافع عن احد، مستشهدا ببيان المجلس الاسلامي – الشرعي الاخير والمتعلق بضرورة العودة الى ملفات ما قبل 1992”. وقال: “هل وضعنا خطة ما لمكافحة الفساد او ملفات متفرقة وانتقائية، فالخطة غير موجودة، وما يتم طرحه اليوم من ملفات تفتقد لأي خطة توجيهية، والا فاننا نقوم “بتخبيص” الامور في بعضها. علينا ان نرى خططا تجاوب على أسئلتنا كيف، لماذا، متى، الى اين… فلا يمكن معالجة الامور بعشوائية”.
سئل: هل تعتقد ان التحقيقات اليوم ستكون شفافة خصوصا وان اسماء كبيرة تتهم بقضايا فساد؟
اجاب: “لا اريد ان اشكك في هذا الامر، لكن لو لم يكن هناك من اشخاص مرتكبين، لما تم اتهامهم وتوقيفهم. السؤال المطروح هل هؤلاء الموقوفون او المتهمون يكفون لمكافحة الفساد، ام اننا سنشهد بعد سنتين او ثلاث على اتهام آخرين إنتقائيا بسبب فقدان الخطة الاساسية التي ترتكز عليها مكافحة الفساد؟ فماذا سيحصل اذا تبين ان قضية الـ11 ملياراً فشلت؟”.
قيل له: مجرد قولك هذا الكلام، كأنك تؤكد حقيقة الـ11 ملياراً؟
اجاب: أبدا، أبدا، انا لا ابرر احداً، واعتقد ان لا سرقة في قضية الـ11 ملياراً. ربما هناك صرف غير قانوني 100%، وهذا عائد الى اسباب عدة تحدثت عنها سابقا. فما يتبين هو انه كان هناك صرف اداري غير منظم، وما اعلنه وزير المال، علي حسن خليل عن وجود «فجوات»، وما قاله المدير العام للمالية آلان بيفاني عن «اخطاء حصلت» يجعلني اقول ذلك. والسؤال المطروح اذا فشلت هذه الاتهامات واظهرت التحقيقات ان لا سرقة للـ11 ملياراً، فماذا سيحصل؟ واذا تبين انها نجحت، هل سيصار الى المطالبة في التحقيق بما سبقها؟ لذلك كان يجب مقاربة هذه المسالة بهدوء اكثر وضمن خطة مدروسة وواضحة موضوعة من قبل الحكومة.
أضاف: المحاسبة يجب ان تطاول الجميع، وان تكون شاملة ضمن الفترة الزمنية المحددة بالخطة. فوقف الفساد الاكبر لا يصلح الا عندما يعود الكل، دون استثناء، الى طاولة الحوار للاتفاق على الامور السياسبة الكبرىفي البلد، والتعهد في وجوب انتخاب رئيس، وتشكيل حكومة، وقانون انتخاب جديد، وعدم التمديد…
فرصة تاريخية
هذه فرصة تاريخية للبلد، علينا الاستفادة منها، واعتقد ان الرئيس ميشال عون لديه النية الجيدة والصادقة في محاربة الفساد، وهي من اولوياته اليوم. وراى سليمان اننا نواجه اليوم مشكلة تتعلق بترتيب البيت الاداري في مؤسسات الدولة، وكيفية تعاطي المدير العام مع وزيره. فما نلاحظه ان المستشار يقوم بدور المدير العام، وهو يتعاطى مباشرة مع الوزير وليس المدير العام. لذلك علينا تصحيح الهرمية الادارية توازيا مع مكافحة الفساد.
اقتراحان وتعديلات
وكشف الرئيس السابق عن نيته تقديم اقتراحين يتعلقان بانتخاب رئيس للجمهورية، وآخر يتعلق بتشكيل الحكومة.
وقال ان الاقتراح الاول ينطوي على تصحيح الآليات، واذا فشلت ينحل المجلس النيابي، وهذا الامر لا يتناقض بتاتا مع وثيقة الطائف عبر تعديل الدستور. فانتخاب رئيس للجمهورية يجب ان بيدأ قبل ثلاثة اشهر بدل شهرين، على ان يحصل قبل شهر واحد من نهاية الولاية الرئاسية. وفي حال لم ينتخب النواب رئيسا جديدا، يحل المجلس النيابي،ثم يصار الى انتخاب مجلس جديد، والذي بدوره ينتخب الرئيس الجديد. عندها يقتضي بقاء رئيس الجمهورية شهرا اضافيا من ولايته.
وتابع: هذه الآلية تحول دون التلذذ في تعطيل انتخاب رئاسي.اما التذرع بالحق الديموقراطي بعدم حضور جلسات انتخاب الرئيس، فنقول لهم ابدا، فان الحق الديموقراطي يفسر بتغييب النائب عن المشاركة في جلسات تشريعية لاقرار قوانيين… اما تعطيل انتخاب رئيس فهو ليس حقا ديموقراطيا، ومنصوص عليه في الدستور ضمن مهلة محددة.
اضاف سليمان: اما بالنسبة الى الحكومة فيعطى لرئيس الحكومة فترة شهرين لتشكيل حكومته. فاذا تقدم رئيس الحكومة بتشكيلته ورفضها رئيس الجمهورية، يعيدها اليه مع تدوين ملاحظاته الخطية، ويعطى للرئيس المكلف شهرا اضافيا ليشكل حكومته. بعد انقضاء هذه الفترة، فاما يوافق الرئيس على الاقتراح الجديد، والا يحيله الى مجلس النواب لطرح الثقة. فاذا حصلت الحكومة على الثقة تصبح حكما نافذة، واذا لم تأخذ الثقة تحصل استشارات جديدة. وفي حال فشل تشكيل الحكومة للمرة الثانية، عندها يحل المجلس النيابي، ويصار الى انتخاب مجلس جديد. في المحصلة تكون المهلة في كل مرة ٣ اشهر لتشكيل الحكومة. هذه الاقتراحات من المفترض ان تناقش لتصبح قابلة للتعديل الدستوري وضمن روحية الطائف.
سئل: هل تعتبر ان الطائف اليوم نفذ كما يجب؟
اجاب: كلا، الطائف لم ينفذ بعد. وما نخشاه اليوم، اخذ البلد الى محور معين في حال سيطرت فئة ما على الاكثرية.لذلك علينا تحييد لبنان عن كل الصراعات الخارجية لنؤمن على بلدنا، كما علينا العمل على تطبيق الاستراتيجية الدفاعية، ومن ثم تشكيل هيئة الغاء الطائفية السياسية، واعادة دراسة الاتفاقات بين لبنان وسوريا، ووضع خطة لانشاء مجلس الشيوخ، واستقلالية القضاء لنصل الى الدولة المدنية. واعتبر ان قانون الانتخاب الجديد هو مخالف للدستور، وكنت اتمنى لو رفض المجلس الدستوري كل الطعون، واصدر تقريرا يطعن بقانون الانتخاب لانه قانون غير دستوري، ومخالف للطائف. وقال: للاسف »البارودة« لا تسمح، فالصوت التفضيلي في القانون النسبي يترجم طائفيا، وهذا الامر لا يجوز ابدا…والسؤال لماذا لم يتم الطعن بقانون الانتخابات امام المجلس الدستوري المليء بالشوائب والتناقضات.
سوريا والنزوح
سئل: هل تؤيد اليوم الانفتاح على سوريا لعودة النازحين السوريين؟
اجاب: ليس لدي اي تحفظ حول عودة النازحين السوريين الى بلادهم، فهذه المسالة هي قضية كيانية ووجودية يجب ان تحتل الاولوية. انما اتساءل لماذا يطلب الانفتاح على سوريا قبل عودة النازحين. فنحن لدينا مؤسسات امنية حاولت التعاون مع الجانب السوري لحلحلة هذا الامر، ونجحت في تامين عودة البعض منهم. فهل سوريا تريد حقا عودة النازحين؟ ان ما نلاحظه ان الدولة السورية لا تريد عودة ابنائها الى وطنهم، فهي تضع شروطا لهذه العودة. فهؤلاء هم اشقاؤنا، لكنهم ابناء سوريا، وعليها فعل المستحيل لاستعادتهم في اسرع وقت ممكن. من هنا، نؤكد على ان موضوع النازحين يجب الا يكون موضع ابتزاز لا من ناحيتنا، ولا من ناحية سوريا، ولا من الدول المانحة، علينا ايجاد حل لهذه الازمة لتأمين عودتهم.
أضاف: المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم عمل بجهد وبانتظام في ارجاع عدد منهم، فلماذا يصار اليوم الى تقليص دوره، والمطالبة بفتح مؤسسات جديدة لهذا الغرض. وقال: ان التباين الحاصل داخل الحكومة ناتج عن الدفع الى تطبيع العلاقة مع سوريا. فلتشكل الهيئة الوطنية لاعادة النازحين، والمخولة التنسيق مع سوريا، والامم المتحدة، والمجتمع المدني والدول المعنية.
وختم سليمان بالقول لدي شعور ان سوريا لا تريد عودة النازحين الا وفقا لشروط سياسية تستبق الحل السياسي المطروح. نحن لا نريد الا الخير للشعب السوري،ونحترم قراره، لكن يجب ألا يكون لدينا سقف حول موضوع إعادتهم من اجل حماية الكيان الوطني.