تدرك “القوات اللبنانية” أن التركيب السياسي الحالي للحكم لا يصب في مصلحتها. لكنها تصر على أنها ليست معزولة أمام قوة التحالف في السلطة وفي مجلس الوزراء، خصوصاً بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وتماهي رئيس الحكومة وتياره مع العهد انطلاقاً من تحالف فرضته الظروف التي أنتجتها التسوية. لذا، تركز “القوات”، وفق سياسي مقرب منها، على التهدئة والانصراف إلى الملفات الداخلية ومواجهة ما تعتبره خطراً على البلد، خصوصاً الوضع المالي، فتكبّ على رفع الصوت بشأن الكهرباء والفساد، ثم الموازنة، ولا ترفع سقف المواجهة السياسية مع “حزب الله” مثلاً بل تختار التهدئة والبحث عن نقاط تواصل وتقاطعات تبني عليها. لكنها تقاتل في الساحة المسيحية لعدم استفرادها وتختلف مع التيار العوني الذي تعتبر أنه يريد الهيمنة على القرار المسيحي، خصوصاً سياسات رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.
الأخطار كبيرة على البلد، ليس في الملفات الداخلية فحسب، إنما في الصراع الإقليمي والدولي والمواجهة الأميركية – الإيرانية التي تنعكس على لبنان مباشرة بفعل العقوبات على “حزب الله”. هذا ما يدفع “القوات”، وفق السياسي إياه، إلى البحث عن مخارج لعدم تضرر لبنان كله من العقوبات، إذ تبين لها أن خطر العقوبات قد يطاول البلد كله ويدفعه إلى الانهيار في ظل الازمة المالية العامة. لذا تلاقي “القوات” “حزب الله” في منتصف الطريق للتهدئة وإذا أمكن التواصل، وهي ترى أن التهدئة الداخلية في خطاب الحزب تعزز التواصل للبحث في نقاط مشتركة في الملفات الداخلية التي تحتاج إلى إجراءات جراحية مالية وغيرها من القرارات الضرورية لإنقاذ الوضع. ويصف السياسي المقرب سياسة “القوات” اليوم بالمهادنة مع “حزب الله” الذي يقابلها بالمثل، خصوصاً في مجلس الوزراء، إذ إن المواجهة وتفجير الخلاف “الإقليمي” لا يخدم البلد ولا ينقذه من الانهيار.
لا تواصل مباشراً بين “القوات” والحزب، باستثناء بعض القنوات التي توصل رسائل معيّنة. ووفق السياسي نفسه أن نظرة “حزب الله” إلى “القوات” تغيرت بعد الانتخابات النيابية الاخيرة لاسيما بعد فوزها بـ15 مقعداً، لذا عمل بقوة على رفع مستوى تأثيره في البيئة المسيحية، ليس من طريق تحالفه مع “التيار الوطني الحر” فحسب، بل من خلال فئات مسيحية أخرى، وهو رأى في المصالحة والتقارب بين جعجع ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجيه خطوة تعزز التواصل والتهدئة أيضاً بين اللدودين بالتركيز على الجانب الداخلي وتجنب السجال في الملفات الاقليمية. ويرى السياسي المقرب أن التهدئة لها وظيفة أخرى لدى الطرفين، فبالنسبة إلى “القوات” تبعد شبح عزلتها لبنانياً، من دون أن تتنازل مسيحياً، وبالنسبة إلى الحزب تعزز وضعه لبنانياً من دون أن يواجَه بتورطه في ملفات إقليمية، على رغم العقوبات الأميركية بسبب علاقته بإيران كذراع لها في المنطقة.
وأياً يكن شكل التواصل بين “حزب الله” و”القوات اللبنانية” اليوم، فإنه لن يتقدم سياسياً، إذ ان الهوة ساحقة بين الطرفين، وأكثر ما هو علني في العلاقة ينحصر في مجلس الوزراء، إذ يكشف السياسي أن وزراء الحزب أيدوا “القوات” في بعض الملفات، واختلفوا معها في ملفات أخرى، فمقاربة ملف النازحين والعلاقة مع النظام السوري لا تجمعهما بل تشكل عنصر خلاف وتفجير يعمل الطرفان على تجنبه، وهذا الأمر ينسحب على موقف “التيار الوطني الحر” والعهد، فهما مع الحزب في سلاحه وفي العلاقة بالنظام السوري، فيما يتوافق الحزب و”القوات” على موضوع الكهرباء والموازنة والتقشف ومكافحة الفساد، بصرف النظر عما إذا كانت مقاربتاهما صائبتين في هذه المجالات.
التهدئة في الداخل إذاً عنوان التقاطع بين “حزب الله” والقوات”، إذ ان الامر لن يتخطى هذا السقف، ما دام الخلاف السياسي والاستراتيجي قائماً بين الطرفين، وعلى الملفات الاقليمية المختلفة. ويشير السياسي المقرب، مثلاً، الى أن رئيس حزب “القوات” سمير جعجع لم يعد يردّ على خطابات السيد حسن نصرالله، خصوصاً الأخيرة التي يرى انها تعكس الهدوء والخوف من العزلة، وهذا يعكس عامل التهدئة، لكنه لا يستبعد الردود إذا ما تجاوز الأمر التهدئة الداخلية أو أي كلام يعرّض لبنان لإجراءات عربية وخليجية. لكن الحزب، برأي “القوات”، والكلام للسياسي، يريد الاستمرار في التهدئة وعدم افتعال أي مشكلة داخلية نظراً الى حساسية وضعه وانصرافه الى معالجة مشكلاته المالية وتعويض النقص في التمويل الذي انخفض من جراء العقوبات، وهو ايضاً لا يريد أن يرتب عليه أعباء داخلية إضافية بمعارك تزيد عزلته وتضعه في مواجهة الجميع.
الخطر بالنسبة إلى “القوات”، وفق السياسي، هو وضع الدولة وماليتها واحتمالات الانهيار. لذا كانت مشاركتها في الحكومة ضرورية، أولاً لعدم استفرادها مسيحياً وثانياً لمواجهة الاستحقاقات ومحاولة التصويب. هذا لا يعني أن “القوات” قادرة على فرض موقفها، لكنها قادرة على التأثير. أما المعضلة الاساسية فتكمن في الصراع مع “التيار الوطني الحر” الذي له حساباته اللبنانية وفي الساحة المسيحية عموماً، لذا لن يكون هناك تواصل سياسي مع “حزب الله” الذي يتحالف مع “التيار الوطني” والعهد ويدافعان بعضهما عن بعض، والاخير بالنسبة الى “القوات” يسعى إلى الهيمنة على الساحة المسيحية وقرارها وتالياً عزل “القوات”. أما العلاقة مع الرئيس الحريري ومع وليد جنبلاط، فهي ليست على ما يرام، لكنها تجمع مواقف لا تزال مستمدة من 14 آذار، وهذا ما يدفع “القوات” الى مزيد من التهدئة والانفتاح على “حزب الله” وغيره.
تبقى المشكلة قائمة على رغم التقاطع في الملفات الداخلية، فما لم يتقدم البحث في السياسة، لن يكون هناك تواصل كامل، وعندما تعود الملفات الاقليمية الى الواجهة قد تصبح التهدئة في خبر كان.