خبر

إتّقوا العاصفة وحكِّموا الضمير

لا يُخفى على أحد أنّ لبنان يتعرض منذ سنوات لشتى أنواع الضغوط المالية والاقتصادية وحتى النقدية، بما لا تحتمله حتى الدول الأكبر حجماً والأكثر قوةً. ولا يُخفى أيضاً أنّ هذه الضغوط والأزمات على اختلافها، مترافقة مع تراجع الثقة المحلية والدولية بالإصلاحات الموعودة والنهوض المنتظر، ألقت بثقلها على النقد الوطني من ضمن مجمل الأوضاع المالية في البلاد. وعليه تَقدّمَ إلى الواجهة السؤال: هل الليرة في خطر؟ والجواب قطعاً لا، لأنّ ثمّة العديد من العوامل والإجراءات الكفيلة بحماية النقد الوطني يقوم بها تباعاً المصرف المركزي، والليرة لم تكن لتصمد بمواجهة كل الضغوط لولا تلك الإجراءات.

فالدول التي تعرّضت لضغوط مماثلة خسرت عملتها الكثير من قيمتها مثل مصر وتركيا، وهما دولتان عملاقتان مقارنة مع لبنان، اقتصادا واحتياطاً نقدياً وقوى عاملة. ومع ذلك لم تنجحا في تحقيق ما حققه لبنان من حفاظ على قيمة العملة الوطنية. في حين أنّ الليرة اللبنانية بقيت صامدة، علماً أن لا اقتصاد لبنان يوازي أيّاً من الاقتصادين المجاورين، ولا وضعه العام أكثر استقراراً من وضعيهما. وعليه فإنّ أيّ عاقل يعرف أنّ هذا الاستقرار لم يأتِ من فراغ أو بسحر ساحر، بل إنه نتيجة جهد وحكمة، وعلينا أن نشهد بالحق لكل مَن ساهم في هذا الاستقرار.

وبغض النظر عن اختلاف القراءات والمواقف من الإجراءات التي يتّخذها مصرف لبنان وعلى رأسه الحاكم رياض سلامه، وبعيداً من الحملات التي تطاله إما بالتجريح أو بالتلويح، يلمس اللبنانيون أنّ أمراً واحداً لم تدمّره كل الاضطرابات والتحديات والضغوط على مدى عشرات السنين، هو ثبات الليرة، علماً أنّ معظم مقومات قيام الدولة بات ركاماً. وإذا كان هناك مَن يشير إلى الهندسات المالية التي قام بها الحاكم سلامه للتشكيك بصحة التوجهات العامة للمركزي، فما عليه إلّا تصوّر ما كان يمكن أن يكون عليه الوضع لو أنّ مصرفاً واحداً تعثّر أو تضرّر، ألم يكن ذلك كافياً للقضاء على ما تبقى من سمعة لبنان المالية، ولزعزعة أبرز أساسات لبنان، أي النظام المصرفي؟

ليس كل ذلك طبعاً، لا في معرض الدفاع عن الحاكم ولا في معرض الرد على منتقديه. جل ما في الأمر أنه دعوةٌ لقراءة موضوعية شفافة في المشهد المالي العام من جهة، وجعل الملاحظات في خانة النقد البنّاء لا التصويب المريب، الذي يمكن أن تُشتم منه رائحة التخطيط لما هو أبعد من المعلن في الملاحظات. فمثلاً لو كانت هناك إجراءات غير سليمة لا سمح الله، لماذا لم يفاتَح بها الحاكم في زياراته الدورية للمسؤولين؟ أو لماذا لا توجَه إليه مباشرةً بدل التشويش بها علانية وإقلاق الرأي العام، في ظرف دقيق نحن أحوج ما نكون فيه إلى تهدئة الخواطر ودرء المخاطر، لا نشر الريبة وزرع الخيبة لدى المواطنين والمودعين والمستثمرين؟

وبالتالي فمساهمة المصارف اللبنانية الخاصة في دعم مالية الدولة اللبنانية، بفضل سياسات المصرف المركزي الحكيمة، أدّت ولا تزال إلى استمرار الدولة اللبنانية في القيام بواجباتها ومواجهة التحديات الصعبة. ويعود الفضل في ذلك للحاكم رياض سلامة، علماً أنّ كلفتها المحكي عنها في معرض انتقاد سياسات المصرف المركزي، تبقى أقل من بلوغ الدولة حافة الإفلاس والعجز الكلي. كما أنّ استفادة بعض المصارف الخاصة هي ثمن لا بدّ من تأديته لحضّها على الاستمرار في عملية الدعم الداخلية التي باتت الملجأ الوحيد، بعد ازدياد صعوبة الاقتراض من الأسواق الخارجية، وتراجع عائدات الخزينة من النشاط الاقتصادي المحلي.

وهنا يجدر السؤال عن الغاية من زجّ السياسات الضيّقة في الشأنين المالي والنقدي في هذا الظرف الدقيق، ما دفع اللبنانيين إلى الشعور بأنّ هناك مَن يريد تحميل الحاكم مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع بدل أن يتحملها السياسيون المتعاقبون منذ سنوات طويلة؟ وكلمة حق تقال أنه حيال الصعوبات المالية والعقوبات الدولية الماثلة، علينا أن نتعاضد جميعاً ونوظف جهودنا كلها، لحماية لبنان وتجنيبه العاصفة المرتقبة، قبل أن تمرّ علينا في لحظة ضعف فتدمّر كل شيء.