وتلا رئيس الجامعة الأب ميشال جلخ خطابه السنوي الذي حمل هذه السنة عنوان "التعليم الجامعي في لبنان بين متطلبات الجودة وإشكالات السوق"، واستهله بالحديث عن موضوع "الخدمة والتجارة وما بينهما"، لافتا إلى "انطلاقة ما يعرف بتتجير التربية في تسعينيات القرن الماضي، أي جعل التربية تجارة مربحة، وهذا ما قلب معادلات كثيرة في الإدارة التربوية، واقتصاد التربية، وحتى في العملية التربوية نفسها، وفرضت على أي محاولة إصلاحية أن تأخذ في الاعتبار تنافر المعايير والاعتبارات بين أنساق مختلفة من المؤسسات لا يجوز لصناع السياسات أن يعاملوها بالطريقة نفسها".
وعن موضوع "التعليم العالي اللبناني إزاء التوقعات المجتمعية المتناقضة"، قال: "هذه المسؤولية تتخذ أشكالا متنوعة، تجاه المجتمع اللبناني، منها ما هو محق ومنها ما هو فائض شكوى وطلب لا يعرف إلى أين يتجه، فينصب على من هم في واجهة الخدمة، والجامعات منهم. وفي المحصلة، ليس أسهل من التعليم العالي في لبنان إن نظرت إليه كاستثمار معياره الوحيد الربحية. لكن، ليست سهلة البتة مهمته إن أنت نظرت إليها من وجهة الرسالة والدور".
ثم تطرق إلى "التعليم العالي في لبنان: تميز وتحديات"، منوها ب"تقدم هذا القطاع وسمعته الطيبة بالرغم من فضائح الشهادات المزورة التي انكشفت مؤخرا"، وقال: "يمكننا القول إن قطاع التعليم العالي هو واحد من أسباب الخلطة السحرية التي تجعل لبنان "موردا للتفوق والإبداع والمبادرة والإنجاز في المنطقة والعالم"، على حد تعبير رئيس حكومتنا سعد الحريري".
وإذ لفت إلى "هشاشات متجذرة، إضافة إلى مخاطر تأتيه من التغيرات السريعة في العلوم والتكنولوجيات والاقتصاد وسواها، يقابلها بطء المعاملات والتطويرات في الدوائر الرسمية المختصة"، أكد "أن لبنان يعاني تخمة، لا شحا، في عدد مؤسسات التعليم العالي، تخمة تعود بشكل أساسي إلى تضخم كمي في التراخيص لم تراع فيه لا اعتبارات الجودة، ولا مقتضيات التكامل بين المؤسسات المختلفة. فكانت نتيجته الأساسية هيمنة جو من التنافس غير المضبوط وغير البناء".
وعن موضوع "سوق العمل في غياب المؤشرات"، قال: "يغلب الاعتقاد بأن لبنان يخرج أعدادا من الجامعيين تفوق حاجته، إلا أن التدقيق في الأرقام ومقارنتها بالمعايير العالمية يبين أن نسبة الخريجين إلى عدد السكان فيه لا تزال دون المطلوب للنهوض بحاجات المجتمع التنموية. مع ذلك، فإن 30% من العاطلين عن العمل عندنا هم من حملة الشهادات الجامعية. وفي حين ترفع الشهادة من احتمالات الحصول على فرصة عمل في الدول المتقدمة، فإن الأمور تبدو معكوسة في عدد كبير من الدول النامية، ومنها لبنان، مما يطرح سؤال المواءمة ما بين التعليم العالي وحاجات سوق العمل، ولكنه يطرح سؤالا أعمق هو سؤال الصحة التنموية لهذه البلدان".
وتابع: "الجامعات تحتاج مرجعية أولويتها التعليم العالي، عارفة بالاتجاهات الكبرى التي ترسم مستقبله، وعينها في الوقت نفسه على الوقائع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المحلية. تحتاج مخاطبا ليس منافسا تجاريا لها، بل راعيا نزيها يسهم في النقد والتطوير، وفي بناء اقتصاد المعرفة. مما يقودني إلى التحدي الثالث، أعني البحث العلمي".
ثم تناول جلخ موضوع "البحث العلمي كتحد حضاري"، فقال: "في لبنان، يلزم قانون "الأحكام العامة للتعليم العالي وتنظيم التعليم العالي الخاص"، مؤسسات التعليم العالي بتخصيص 5% على الأقل من موازنتها السنوية للبحث العلمي. ومع هذا، فالحديث عن ضرورة تطوير البحث العلمي يتلازم مع الشكوى من ضعف التمويل. فالجامعات اللبنانية في معظمها تعتمد على الأقساط، علما أن بإمكان الدولة الإسهام في حل هذه المشكلة جزئيا عن طريق العمل على مد الجسور بين الجامعات والصناعة".