ترأس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذبيحة الإلهية، في الرعية المارونية في كنيسة مار شربل في العاصمة الرومانية بوخارست، عاونه المطران ميشال عون وخادم الرعية المارونية في رومانيا الخوري جوزيف دريان والخوري شربل عبيد، في حضور سفيرة لبنان في بوخارست رنا المقدم وسفراء: النمسا، العراق، مصر، قنصل الأردن، أعضاء المجلس الراعوي، لجنة الوقف وكل الوافدين للمشاركة في هذا الزيارة الراعوية.
بداية، رحب عون ب"الزائر الرسولي على رومانيا وبلغاريا، عن الرعية المارونية"، وقال: "حضوركم يا صاحب الغبطة، حضور الأب والقائد، الذي يجمع ويزور ويلتقي أبناءه بوافر الحب والإصغاء، ونحن هنا اليوم فخورون فرحون، إنه بعد ست سنوات مضت على بركتكم وتكريسكم مذبح هذه الكنيسة، على اسم مار شربل في أيلول العام 2013، ها هي من جديد تتبارك بحضوركم، وأبناء هذه الرعية موارنة لبنان وسوريا وفلسطين ومن طوائف المشرق العربي".
أضاف: "ونعدكم يا صاحب الغبطة، أن نحملكم بصلاتنا، طالبين من الرب يسوع أن يبارك كل جهودكم، لما تحملون في القلب والفكر من هم ومصاعب تطال لبنان والشرق. نصلي كي تبقوا صوت الضمير للوطن وللقيادة، فيستنيروا من مواقفكم ومن حكمتكم، لما فيه خير الإنسان والأوطان".
ثم ألقى الراعي عظته، التي استمدها من "وحي زمن الصعود واختتام الشهر المريمي وافتتاح شهر العبادة لقلب يسوع"، مرحبا بداية ب"أصحاب المقامات الروحية والرسمية وكل المؤمنين الوافدين من قريب أو بعيد".
وقال: "يسعدنا أن نحتفل معا في هذه الليتورجيا الإلهية، ونحيي ذكرى صعود ربنا يسوع إلى السماء، ونختم شهر أيار المخصص لتكريم أمنا مريم العذراء، وفي هذه المناسبة السعيدة، وقد جمعتنا بقداسة البابا فرنسيس، الذي يقوم بالزيارة الرسولية لرومانيا العزيزة في محطاتها الثلاثة الأمس اليوم وغدا. إننا نصلي معه من أجل تحقيق نواياه بشأن رومانيا العزيزة وشعبها وكنيستها، ونلتمس من الله أن يحقق أمنياته هو الداعي للسلام في العالم، هو الداعي للأخوة الإنسانية الشاملة".
أضاف: "وإننا لسعداء جدا، لأننا نزوركم للمرة الثانية مع سيادة المطران ميشال، كزائر على رومانيا وبلغاريا، وأن نرى هذه الرعية كيف تنمو وتكبر بالإيمان وبشعبها وبأبنائها، ونحن نشكر الله عليها، وهي تنعم بالبركة الإلهية بشفاعة شفيعها القديس شربل. إننا معكم نقيم هذه الذبيحة الإلهية أيضا، من أجلكم من أجل عائلتكم، أعمالكم ونشاطاتكم ومؤسساتكم من أجل أجيالكم الجديدة، من أجل مرضاكم، ومن أجل الأحباء، الذين غادرونا إلى بيت الآب".
وتابع: "إننا نتوقف على أبعاد عيد صعود الرب يسوع إلى السماء، وقد سمعنا في الإنجيل أنه من بعد أن أرسل رسله إلى العالم كله، ليحملوا إنجيله الخلاصي لكل إنسان، صعد إلى السماء وجلس إلى يمين الله الآب، وهم ذهبوا يكرزون ببشرى إنجيل الخلاص والرب يعضهم بالآيات. هذه النقاط الأربع، هي أبعاد صعود الرب يسوع، نتوقف عندها، لندرك مفاهيم هذا العيد:
- البعد الأول هو: السماء. نقول السماء وعندما نلفظ الكلمة نتطلع إلى فوق، ولكن يجب أن نفهم أن السماء ليست مكانا حسيا. السماء هي حالة الله الحاضر في الكون كله، متخطيا كل مكان وزمان، لكننا نحتاج نحن إلى تعابير حسية تتلاءم مع حواسنا، نقول السماء فوق والجحيم تحت وفي كلتا الحالتين أكانت السماء أم كانت الجحيم فهما حالتان. الحالة الأولى هي الحياة مع الله والقديسين الأبرار، حالة السعادة حالة المشاهدة السعيدة. أما جهنم فهي حالة الوجع والألم الذي وصفه الرب يسوع بعذابات النار. صعد إلى السماء، هذا لا يعني أنه ترك أرضنا، إنه باق معنا، يسوع التاريخي ببشريته الممجدة بعد القيامة، دخل في عالم الله لكنه أصبح المسيح الإيماني، المسيح الكلي، الذي هو الكنيسة، في سرها وشركتها ورسالتها، هو حاضر لأنه رأس الجماعة، هو حاضر مع كل إنسان على وجه الأرض، رفيق دربه، يهديه إلى الله وإلى خلاصه، حاضر بكلامه حاضر بذبيحة القداس، التي تقدم وفيها تتجدد الآن وهنا ذبيحة الفداء عن الجنس البشري، حاضر في وليمة جسده ودمه، حاضر في كل جماعة تلتئم لتصلي، حاضر بألوهيته مع الإنسان. أجل لم يغادر أرضنا بصعوده أي بدخوله في عالم الله، كما أنه لم يغادر اتحاده بالله عبر السماء، عندما أتى إلينا متجسدا، أي لم يغادر ألوهيته فهو إله منذ الأزل وبشر منذ ألفي سنة.
- البعد الثاني: الجلوس عن يمين الآب، هذا تعبير للقول إنه أقيم ملك الملوك وسيد السادة له ملء السلطان، على كل انسان، وعلى كل كون. هذا السلطان سلمه لرعاة الكنيسة لكي باسمه وبشخصه وبروحه الأساقفة ومعاونوهم الكهنة، يمارسون سلطان المحبة والحقيقة والخدمة. سلطان مثلث الرسالة وهو الكرازة في الإنجيل، وتوزيع نعمة الأسرار الشافية وبناء الجماعة المؤمنة، على أساس الحقيقية والمحبة.
- البعد الثالث: انطلقوا واكرزوا في العالم كله. منذ ألفي سنة ونحن نحمل هذه البشرى السعيدة لكل إنسان، وهي أن للانسان قيمة، للشخص البشري قيمة، لأنه مصنوع على صورة الله، مفتدى بدم المسيح، معد ليكون هيكل الروح القدس، هذه هي الكرازة عن قيمة الإنسان وكرامته وقدسية الشخص البشري. ونشعر اليوم، كم أن العالم يفتقد لهذا الإدراك والوعي، إذ كلنا نرى كيف أن الشخص البشري، يفقد كرامته وقدسيته، يقتل، يستباح، يصبح سلعة، ليس هذا هو الإنسان. إذ قال الرب لتلاميذه: لقد اعطيتكم كل سلطان في السماء والأرض، كما أرسلني أبي أرسلكم أنا أيضا، إذهبوا إلى العالم كله إحملوا هذه البشارة.
البعد الرابع والأخير: الرب كان يضعضهم بالآيات التي يصنعونها وتحقيق كلماتهم، وهذه الابعاد الأربعة، تشكل صميم حياتنا المسيحية خاصة والإنسانية عامة، وهكذا حيثما نحن".
وختم برسالة خاصة للجالية اللبنانية في رومانيا، قائلا: "أيها الأحباء الموجودون في رومانيا العزيزة، أنتم هنا تساهمون إسهاما كبيرا في نمو هذه الدولة، التي فتحت أمامكم مجالات تحقيق ذواتكم، تسهمون في إنمائها الاقتصادي والصناعي والزراعي والتجاري وسواه، لكنكم مدعوون أن تساهموا في بناء المجتمع على القيم الاخلاقية والإنجيلية والإنسانية، وهكذا تعيشون الرسالة، التي سلمنا إياها الرب يسوع، كلنا نحمل هذه الرسالة أيا كان عرقنا وديننا وثقافتنا، فنحن كمسيحيين نحملها بمسؤولية المعمودية ومسؤولية الدرجة المقدسة الأسقفية والكهنوت، هذه هي قيمة الإنسان كل إنسان، إنه شريك الله في رسالة خلاص الجنس البشري، لهذه الروح أحييكم وبهذه الروح نشكر الله عليكم، وعلى ما أنتم عليه، ونذكر رومانيا العزيزة، التي استقبلتكم، نرجو لها دوام الازدهار والنمو والسلام، بنعمة الله الثالوث الواحد الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".
وفي ختام الذبيحة الإلهية، ألقى خادم الرعية الخوري جوزيف دريان، كلمة فقال: "نلتقي في كنيسه مار شربل في رعية بوخارست المارونية في رومانيا، وقد تشاركنا بالجسد الواحد كي نكون جسدا واحدا، على حد قول الرسول، ونعرب اليوم عن فرحنا بوجودكم بيننا، يا صاحب الغبطة. أنتم رب هذا البيت وقد وضعتم حجر الأساس، مذ كنتم أسقفا على أبرشية جبيل المباركة، ومنذ ست سنوات تم تدشين وتبريك هذا المذبح بمباركتم أنتم، واليوم نتبارك من جديد، ونقول فيكم كما يقول الجميع، أنتم أب الرساله خارج إطار الوطن، وقد اعتبرتم منذ الأساس أن الكهنوت عطية سر الله، لكل شعبه حيثما حلوا".
أضاف: "نحن نؤمن أن بكركي هي استمرار، هي التاريخ والحاضر والمستقبل، مستعرضين تاريخ البطاركة العظماء من يوحنا مارون، وصولا إليكم أنتم المحافظين على وديعة الإيمان تخدمون شعب الله بعدل ومحبة في هذا الزمن الرديء، الذي قال عنه البطريرك صفير، إنه الزمن البائس، فالخوف على لبنان، مترجم بوضوح عبر جاليته المغتربة، خوف وألم وحزن على واقع مرير، كلنا رجاء وأمل بإصلاح، وقد قلتم يوما إن العمل السياسي كما الطاقم قائم على ترقيع الثوب، عوض تغييره".
وختم "نسأل الله يا صاحب الغبطة أن تبقوا الصوت الصارخ في البرية، ونصلي معكم ومن أجلكم، ونحن هنا نشكل بصلاتكم، فسيفساء مشرقي بهي، يظهر صورة لبنان الرسالة، حيث يرتل الماروني مع الكلداني فالسرياني، كي تكون وحدتنا لحنا بهيا يمجد الله".
بعدها، التقى الراعي أفراد الجالية اللبنانية مسيحيين ومسلمين، وتناول الحضور نخب المناسبة.