خبر

أمن الوطن.. أيّ مقابل لا يصل إلى ما يعادل قربان الدم

لا تزال منصّات مواقع التواصل الإجتماعي تتداول صوراً ومقاطع فيديو لشهداء الجيش وقوى الأمن الداخلي، بعد العملية الإرهابية الأخيرة في مدينة طرابلس. نتأمل تفاصيل تلك المشاهد بلهفة وحسرة على من غادرنا في ريعان الشباب... على أولئك الذين نراهم يتأبطون الحقائب وهم عائدون ببزاتهم العسكرية إلى بيوتهم بعد خدمتهم في طول لبنان وعرضه، سواء في مناطق "النزاع الطائفي" وصولاً إلى الحدود مع فلسطين المحتلة، وكذلك على الحدود مع سوريا، قبل وبعد وحتى في حمأة الحرب، وصولات الجماعات المسلحة. 

فهذا الشهيد إبراهيم صالح بجعبته وسلاحه، داخل "الدشمة" ينعى نفسه قبل استشهاده قائلاً: "بعلم بلادي لفّوني". وها ما حصل.. نعم إبراهيم صالح ورفاقه الشهداء لفوّا بالعلم اللبناني. إبراهيم صالح والنقيب حسن فرحات وجوني خليل ويوسف فرج، هؤلاء الأربعة الذين اجتمعوا في بلد تزداد فيه التفرقة الطائفية والمناطقية، قدّموا أرواحهم قرابين للبلد الذي نحلم بأن يصير بلداً. 

ما جرى في طرابلس، يجب أن يكون بمثابة صفعة لكلّ من يعطي لنفسه الحق في المساس بلقمة عيش أفراد المؤسسة العسكرية، خصوصاً الجيش، ممن قدموا ويقدمون أرواحهم حفاظاً على حياتنا. على كلّ مسؤول في هذه الدولة اليوم أن يمتلك الجرأة والضمير أوّلاً، ليطرح على نفسه السؤال التالي: أي مال يعوّض عائلات الشهداء بعد فقدان أحبائهم وأبنائهم؟ هل يجوز لمن استشهد أن تترك عائلته نهباً لاقتطاعات من رواتب هي بسيطة أساساً قياساً إلى غيرهم ممن يتقاضى بعضهم رواتب مرتفعة جدّاً وهم جالسون خلف مكاتبهم؟ 

التضحيات التي يقدمها ضباط ورتباء وجنود المؤسسة العسكرية يجب أن ينظر إليها بعين كبيرة جدّاً. عين مبادلة الوفاء بأحسن منه، وإنْ كان أي مقابل لا يصل إلى ما يعادل قربان الدم. وهذا يتطلب رؤية جديدة وتحرك فوري لشطب أيّ قرار والإمتناع عن أيّ خطوة من شأنها المساس بالحقوق البسيطة والأساسية للعسكريين، لأننا في ما عدا ذلك، ووفق المنطق، فإنّنا نعرض أمننا للخطر. 

ففي بلد بغير منأى عن الإرهاب الإجرامي والقبيح منذ سنوات، لا يمكن له أن يحصن ساحته أمنياً بغير محفزات تعزّي من يقف عند الحدود مدافعاً عنّا، أو يمضي ليله داخل الآلية العسكرية مولجاً بضبط الأمن عند خطوط التماس المناطقية والطائفية القديمة، والتي تتجدد عند كل مناسبة، أو عند مداهمة شقق يحتمي فيها الارهابيون والمتعاونون معهم وكذلك الخارجون عن القانون والمجرمون وتجار المخدرات. 

من المجحف بحق كلّ عسكري لبناني، أن نقارنه بأيّ موظف مدني ينجز مهاماً مهما تعدّدت، لن تبلغ مبلغ الخطورة التي يعيش أي عنصر في الجيش والقوى الامنية في أجوائها. وبالتالي نمنح لأنفسنا الحق في الإقتطاع بالتقديمات الإجتماعية التي يحصلون عليها. 

وفي النهاية، علينا نحن اللبنانيين أن نطلق صرخة لحماية آخر ما تبقى لنا من أمل في بلدنا متمثلاً في الجيش والقوى الأمنية. فإذا كان أمننا الإقتصادي في خطر، ومجتمعاتنا يتفشى فيها العنف بغطاء وحماية سياسيين، لنا الحق لأن نرفع الصوت ونقول "لا" للمسّ حاضراً ومستقبلاً بالجهة المخوّلة حمايتنا والسهر على أمننا.