أعلن عضو كتلة "الوسط المستقل" النائب علي درويش، خلال كلمته التي أدلى بها في الجلسة المسائية لمناقشة موازنة العام 2019، أنّ "الكتلة وعلى رأسها الرئيس نجيب ميقاتي، ستوافق على الموازنة لأنّها أفضل الممكن حالياً لإنقاذ الإقتصاد". وجاء في كلمته التالي:
"قول مأثور لأمير المؤمنين علي: عجبت لمن لا يجد في بيته قوت يوم، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه". وقول لأحد المفكرين: "الفقر هو أشد أشكال العنف".
دولة الرئيس، استعرضنا لجلسات طوال مع لجنة المال مشكورة من رئيسها ومقررها وكافة أعضائها، تفاصيل الموازنة وعلى الرغم من درسها في أواخر شهر سبعة، وعلى الرغم من عدم توفر قطع الحساب والأخذ بالاعتبار الخفض الذي تم من باب الإنفاق والزيادة في أبواب الواردات أرى عدم جدوى الدخول تفصيلا في نفداتها وخصوصا أن معظم الزملاء قد دخل تفصيليا في كل نفدة من نفداتها.
لذلك سأدخل بما أرغب في قوله: دولة الرئيس، ابدأ كلمتي بأم الفقير... طرابلس صاحبة الوجع والاهمال الدائمين. نبدأ من حريق أكل منذ عدة أيام مصدر رزق العديد من فقراء طرابلس، فنتمنى التعويض عنهم في أسرع وقت ممكن.
شهدت "ام الفقير" خلال السنوات الاخيرة العديد من جولات الاشتباكات، أدت لانهيار اقتصادي واجتماعي وارتفاع حجم الفقر الى مستويات عالية أنتج واقعا مريرا من الحرمان وارتفاع معدلات البطالة وخاصة لدى الشباب أضعاف ما تشهده باقي المناطق اللبنانية.
فإذا كان لبنان على امتداده يشهد شللا اقتصاديا وسط تحذيرات دولية من الانهيار الاقتصادي، يبقى لعاصمة الشمال اللبناني الحصة الأكبر من التدهور الاقتصادي الذي بلغ الحضيض حتى أضحت المدينة الأكثر فقرا على حوض المتوسط. فنسب البطالة ارتفعت، وتدفقات أموال المستثمرين تكاد تنعدم، وعشرات المؤسسات الاقتصادية أغلقت أبوابها معلنة إفلاسها ولم يترك الفقر حيا في هذه المدينة من استيطانه.
دولة الرئيس، اننا في طرابس نسمع ضجيجا ولا نرى طحينا.
وعود دائمة وخطط ومشاريع لا تكاد تصل الى الوزارات حتى تسكن الأدراج، ويترافق هذا الواقع المأساوي مع شلل في مرافئها، إذ أن مرفأ طرابلس البحري لم يرتق بعد لمستوى خلق فرص عمل، وحتى المنطقة الاقتصادية ومعالي الوزير متواجدة بيننا منذ أكثر من عشر سنوات ما زالت أسيرة الصراعات السياسية في وطننا المنكوب اقتصاديا ولا نرى عمرانا الا في جبل النفايات عند مينائنا الذي بات يرتفع حتى غاب شاطئ المدينة عن النظر.
تؤكد هذا الواقع دراسات البنك الدولي بتصنيفه طرابلس المدينة الأكثر فقرا على ساحل المتوسط، وأن أكثر من نصف سكانها يعيشون تحت خط الفقر. ففي تقريره للعام 2017 حول "فرص العمل لشمال لبنان"، أظهر أن الشمال يضم الأكثرية المطلقة من عدد الفقراء، ما يعادل نحو 290 ألفا أي ما نسبته 36 في المئة من نسبة البطالة في لبنان، وهو معدل أعلى بكثير من المعدل الوطني.
وأظهرت دراسة International Poverty Center حول النمو وتوزيع الدخل في لبنان أن الفقر ترتفع نسبته في مدينة طرابلس لتشمل 57% من مجمل سكانها. وفي دراسة أعدتها "اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" (الإسكوا) بالتعاون مع "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" ووزارة الشؤون الاجتماعية عام 2015، للبحث في مستويات المعيشة لعاصمة الشمال طرابلس (وهي آخر دراسة تمت عن مدينة طرابلس بهذا الخصوص)، حيث ظهرت أرقام مروعة عن حجم الفقر داخل أحياء المدينة وأزقتها. وبحسب الدراسة فقد تخطت نسبة الذين يعيشون ضمن ظروف صعبة، 75% من عدد سكان مدينة طرابلس الذي يبلغ تعدادهم نحو 600 ألف نسمة، حيث ترتفع النسبة إلى 90% في بعض الأحياء، مثل باب التبانة وجبل محسن وحي التنك ومنطقة السويقة، بالإضافة إلى أن نحو 23% من السكان يقبعون تحت خط الفقر. وتعتبر باب التبانة أكثر المناطق في طرابلس تقدما ضمن مؤشر الحرمان بنسبة 91% استنادا إلى تقرير الألفية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
واستنادا إلى دراسة لمؤسسة البحوث والاستشارات، فإن حوالى 73% من الأسر في طرابلس لا تملك أي نوع من التغطية الصحية، فيما تبلغ هذه النسبة أقصى مستوياتها في مناطق جبل محسن والتبانة، إذ تقدر بنحو 90%، حيث تكثر أعداد الوفيات، فقد بينت إحدى الدراسات أن نسبة وفيات الأطفال دون الخمس سنوات بلغت 53 وفاة بين كل ألف طفل.
أفلا يحرك كل ذلك الحكومة نحو الإسراع في استكمال عدة مشاريع في مدينة طرابلس بالتزامن مع توسيع المرفأ للانخراط لاحقا وإن أمكن في عملية اعادة اعمار سورية؟
حصة طرابلس من مشاريع "سيدر" عندما كان الحديث عن 19 مليار دولار تبلغ نسبة ضئيلة جدا، وحتى الآن حين أصبح الرقم 11 مليار فهي كم ستصبح؟ في وقت تعتبر طرابلس الأكثر اكتظاظا في لبنان وتضم 15% من اجمالي سكان لبنان.
وهنا لا بد من التأكيد "ان التشنج الامني والسياسي ادى الى تعطيل دور المدينة الاقتصادي، ما شكل نقطة بداية لمسار التدهور" وهذا ما تؤكده الدراسة الاخيرة لمنظمة الاسكوا".
وتابع درويش: "على المستوى اللبناني، لا نلحظ استقرار وتوافق معين حتى تفتح الجبهات السياسية والاعلامية من كل حدب وصوب، صدقوني، ونحن اهل التجربة في طرابلس ليس امامنا في لبنان الا التهدئة ثم التهدئة لان التصعيد مكلف جدا والجميع خاسر، اسألونا نحن أهل طرابلس عن ألم الصراعات الداخلية ونتائجها... ان الطائفية حقا هي شر مطلق!
أما الارادة الفعلية فهي في ايجاد مشاريع تنموية لا نختلف عليها بل نتكاتف في سبيل تحقيقها وترك السياسية وصراعاتها بعيدا عن قوت المواطنين لان البطون ان جاعت اكلت امعاءها.
البطالة والفقر والعوز وانعدام الخدمات واهمال البنى التحتية والخدمات الاولية التي تحافظ على صحة وحياة كل مواطن في طرابلس وكل لبنان هي من تحتاج لحلول الان.
مرحلة الانتخابات أيها الزملاء انتهت، واليوم على الجميع تقديم نموذج آخر من السلوك الذي يحافظ على وحدة اللبنانيين ويعزز موقعهم في شتى ميادين في السياحة والاقتصاد والخدمات والبيئة والصناعة ويدعم وجودهم بمواجهة الاوضاع التي يعيشونها بانعاش الاقتصاد ومن ضرورة هذا العمل الامن من أحد المقومات الأساسية، ووضع التباينات السياسية جانبا والقيام للعمل.
فاليوم، نعتبر اننا قطعنا شوطا في التمثيل الذي نعتبره صحيحا والتوجه المصيب الداعي للانفتاح ورفع منسوب الوعي وتغليب المصلحة العامة وربط مصالح ابناء المدينة الواحدة والوطن الواحد مصالحهم ببعضها البعض، وتعزيز عوامل الاستقرار والابتعاد عن الخطاب التشنجي والسعي لمواكبة حاجات المواطن وتثبيت منطق المؤسسات، وتعاضد الجميع ومد اليد للجميع مما يحصن الوطن ويؤمن القدرة على العمل ويحصن المجتمع ويطوره.
هذه رسالتنا اليوم إليكم. وأخيراً، وأنا بانتمائي اللبناني والوطني والطرابلسي هالني حجم الإنكفاء والتغييب في حضور الطرابلسيين عامة والطائفة الاسلامية العلوية في الدولة اللبنانية رغم انتمائهم كل الطرابلسيين بمن فيهم الطائفة الاسلامية العلوية انتمائهم اللبناني العميق والمتجذر منذ نشوء الكيان اللبناني، فالتغييب مستمر لهذه الطائفة عن مؤسسات الدولة وحضورهم الوظيفي فيها متواضع جدا، أفلا يحق لمن دفع أثمان الصراعات السياسية ونال الحصة الأكبر من الألم أن يتم تعزيز حضوره في الدولة لتكون بديلا له عن هذه الصراعات ويعزز انتماءه"؟
وختم درويش: "دولة الرئيس.. إنّ أسوأ ما يحصل هو أمرين فقدان الثقة بالدولة وفقدان المصداقية، لأن هذين العنوانين يجب استعادتهما. كيف؟ وهو سؤال كبير وبرسم الجميع، يبدأ بوضع البعض من الفاسدين خلف القضبان وهلم جر. إنما دولة الرئيس استعادة الثقة والمصداقية أمر صعب في هذه الظروف إنما يجب علينا جميعا أن نتكافل حتى يجد كل لبناني وخاصة الشباب اللبناني بأن هناك دولة راعية لهم وهي وجب احتضانه.
أخيراً، نحن ككتلة الوسط المستقل وعلى رأسها دولة الرئيس نجيب ميقاتي سنوافق على الموازنة لأنها الأفضل الممكن حاليا لإنقاذ الإقتصاد. وشكرا دولة الرئيس".