حتى الساعة، لم يقل القضاء كلمته في قضية الممثل المسرحي زياد عيتاني والمقدم سوزان الحاج. الإثنان، بالتالي، ما زالا بريئين إلى حين ثبوت الإدانة. وإذا كان من غير المجدي، أو بالأحرى من باب الخطأ والخطيئة المضي في التحليلات والاستنتاجات وإطلاق التوقعات، فقد يكون في قضية عيتاني - الحاج استثناء من هذه القاعدة بما يسمح للبنانيين جميعاً بالتفكير فيها بل بالذهاب ابعد من مجرد التفكير، ذلك أنهم باتوا معنيين بشكل أو بآخر، وبات من حقهم معرفة الحقيقة الكاملة، سيّما وأنهم وضعوا في خانة الاتهام بعدما طلب منهم وزير الداخلية الاعتذار وكأنهم هم من ألقوا القبض على الرجل على خشبة المسرح أو عتبة المنزل، أو كأن اللبنانيين هم من أوقفوا رئيسة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية!
بات يحق للبنانيين الذين "أرغموا" منذ نحو 3 أشهر على قراءة بيان جهاز أمني يُكشف فيه اسم الموقوف كاملاً ويؤكد أنه اعترف بما نسب إليه، بات يحق لهم أن يسألوا: "إلى أين وصلت هذه القضية؟"، بل حتى أن يعدّوا ويختلقوا سيناريوهات سريالية تحاكي ما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب أو البعيد!
كيف لا والمشهد برمته سوريالياً معقداً حدّ استحالة الاستيعاب! أحجية يصعب فكّها! فضيحة مدويّة كيفما بُرمت، وكارثة لا تزال قائمة ومتفاقمة من دون أن تجد من يوقف شرّها!
أيّاً تكن الحقائق والنتائج في قضية عيتاني - الحاج، ستظلّ الفضيحة كارثية ومدمرة ومستمرة، اللهم إلا إذا حصلت معجزة! سواء كانت النهاية سعيدة متمثلة بالبراءة للطرفين، أو كانت تعيسة مع ثبوت توّرط الشخصين...فإن الفضيحة كارثية ومدمرة!
ماذا يمكن أن يحصل أكثر من ذلك؟! ما هو الأخطر؟! الخطير سبق وحصل. الأخطر آت، بحسب كل الدلائل والمؤشرات.
الخطير سبق وحصل بعدما لم يتحرّك القضاء لوقف الانتهاكات التي حصلت عندما سُرّبت التحقيقات وسمحت جهات مختلفة لنفسها بتخطي القضاء والقفز فوق كلمته وهيبته.
الخطير سبق وأن حصل عندما غابت المحاسبة. الأخطر على الأرجح سيحصل، وأيضاً بسبب غياب المحاسبة!
الأخطر سيحصل، بل إنّه يحصل فوراً وحالاً طالما أنّ أحداً من المسؤولين لم يستقل. لا حاجة لانتظار البراءة أو الإدانة هنا، فبمجرد أن تخرج مثل هذه القضية إلى العلن، وهي من شأنها نشر القلق في نفوس المواطنين وزعزعة ثقتهم بدولة المؤسسات، يجب أن يتحمل مسؤول ما المسؤولية!
الأخطر أنّ أهل السلطة هم من كشفوا للناس أنّ مسؤولاً أمنياً متهم بفبركة تهمة "دسمة جداً" لمواطن مثقف ومعروف، وحتى الساعة لم يدعوا إلى اجتماعات طارئة للبدء بورشة تحريات وتحقيقات ومتابعات لكشف قضايا أخرى مماثلة قد تكون حصلت ولا تزال!
الأخطر أنّ وزير الداخلية استبق القضاء وأعلن براءة الرجل الذي لا يزال حتى الساعة، أي بعد أيام على صدور التغريدة الشهيرة، وراء القضبان!
الأخطر أن أحداً لم يتذكّر مبدأ المحاسبة!
الأخطر أنّ مبدأ المحاسبة استنسابيّ. أحياناً يعمل به وفي أحيان كثيرة يُغيّب ويدفت تحت سابع أرض.
الأخطر أنّ فضيحة مثل الفضيحة التي أمامنا لم تهزّ عرش السلطة، ولا كرسيّ أي مسؤول، ولا حتى أسرّة المواطنين الغارقين، عنوة أو إرادياً، في سبات عميق وعقيم!
الأخطر يمكن أن يحصل كما حصل في ملفات ومحطات كثيرة من قبل. كأن يخرج نائب في البرلمان اللبناني ليكشف أنه في حال كُشفت الستارة عن وثائق تثبت توّرط بعض السياسيين بالفساد، فسوف تكون السجون عامرة! من يا ترى استوضح النائب عن مقصده؟ من سأله عن المعلومات التي يملكها؟
الأخطر أنّ سياسيين كثير ايضاً يتراشقون بالتهم، ومنهم من يقول صراحة أن هذه الصفقة أو تلك، هي بمثابة فضيحة كبرى!
الأخطر يمكن أن يكون شبيهاً بخطورة أن يخرج وزير الصحة ليقول بالفم الملآن أنّ المحارق العشوائية في لبنان تصيب اللبنانيين بالسرطان، وأحد لا يتحرك أو يحاسب.
الأخطر انّ هذه الفضيحة ستنتهي مثل فضائح كثيرة سابقة ولاحقة: مثل عود الكبريت، تشتعل بداية وتتأجج وسرعان ما تنطفىء!
من حاسبنا في أزمة النفايات؟
من حاسبنا في أزمة انقطاع الكهرباء والمياه ورداءة الاتصالات؟
من حاسبنا في ملف الأدوية الفاسدة والأطعمة غير المطابقة للمواصفات؟
من حاسبنا في ملف ابطال الجيش اللبناني الذين اختطفهم الإرهاب؟
من حاسبنا في كل الملفات بعد أن بات لبنان متصدراً قائمة أكثر البلدان فساداً؟
والأهم، ماذا غيّرنا وتعلمنا وطوّرنا؟!
أخبار متعلقة :