خبر

في الجلسة التشريعية دولتا جبل لبنان والضنية تتصارعان

بلحظة تشريعية إنقلب الصراع في البلد ليأخذ منحًى طائفيًا، استوجب ولادة جبهة عاجلة جمعت المتخاصمين حدّ القطيعة، وبصورة لافتة وقف نواب "التيار الوطني الحر" و"القوات" و"الكتائب" جنبًا إلى جنب في مواجهة رئيس الحكومة سعد الحريري ليعلنوا بصوت واحد موحّد رفضهم ايقاف مشاريع للمتن وكسروان، بظل تمرير أخرى للضنية.

فما الذي حصل ؟

كانت المناقشات تسير على ما يرام ومداخلات النواب توحي بشيء من دورهم في مراقبة كيفية تعاطي الحكومة مع الأزمة ومسار إصلاحاتها الموعودة، فكانت الجلسة وفي مشهد طبيعي بديهي تضم سلطة تنفيذية من جهة وأخرى تشريعية من جهة ثانية. إلى أن بدأ النقاش في جدول أعمال الجلسة، في بنده الأول مشروع وارد من الحكومة يقضي بفتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة لإستكمال تنفيذ بعض المشاريع، طلب الحريري سحب المشروع مستخدمًا صلاحياته ومعلّلًا السبب بالكلفة المالية وبأنّ الحكومة تدرس موازنة 2020  وبالتالي لماذا نفتح اعتمادات، اعترض النائب ابراهيم كنعان "هذه المشاريع تحتاج إلى استكمال وليست جديدة"  فتدخّل الرئيس نبيه بري ليلفت إلى الحق الدستوري الممنوح لرئيس الحكومة بسحب أيّ مشروع، وهكذا فعل نائبه إيلي الفرزلي بموقف لافت داعم للحريري.  عاون النائب سامي الجميل زميله كنعان فلم يفلحا بتغيير موقف الحريري، عندها قالها كنعان صراحة "هي مشاريع لجبل لبنان" وغادر الجلسة غاضبا لبعض الوقت.

عندما وصل النقاش إلى البند السادس المتعلق بمشروع توفير المياه لمنطقة الضنية بتمويل من الصندوق الكويتي للتنمية، بدا وكأنّ التيار يريدها "وحدة بوحدة " فسأل ممثلوه الحريري لماذا لم يعمد إلى سحب هذا المشروع أسوة بالسابق، فشرح الحريري الخلفيات المالية لقراره وأنّه أبقى على مشروع الضنيه لفائدته لا سيّما وأنّه وفق قرض بفائدة منخفضة على عكس الأول، في المقابل أصرّ التيار على اعتراضه بحيث وقف وزير الدفاع الياس بو صعب ليتمنّى على الحريري أن يتلقى كلامه برحابة صدر وقبل أن يتابع مداخلته، همّ الحريري بمغادرة القاعة وعلى وجهه الكثير من تعابير الغضب والإستياء جرّاء المنحى الطائفي الذي سلكته المناقشات. حاول وزير المال علي حسن خليل ثنيه ممسكا بيده فلم يفلح، فلحق به واجتمعا ثم عادا إلى الجلسة. في هذا الوقت كان النائبان كنعان ومحمد الحجار يتبادلان الصراخ والشتائم "طلاع لبرا.. خراس... مش كل شي بدكن تاخدو بالقوة"، إلى أن أعاد الرئيس بري إيقاع الجلسة إلى طبيعته مكرّرًا مسألة الصلاحيات.

هذا المنحى الطائفي عززته تلك الصورة الجامعة لنواب ووزراء "التيار" و"القوات" و"الكتائب" في مؤتمرهم الصحافي المشترك، سارعوا إلى نفي الصبغة الطائفية عن تضامنهم بقول النائب أدي أبي اللمع" للتصويب. الموضوع ليس طائفيا أبدا ولا علاقة له بصلاحيات الرئيس الحريري ، فقط المسألة مسألة مشاريع منها نفّذ ومنها ما يحتاج إلى استكمال".

دفاعات جبهة "المستقبل" بدت ضعيفة، بحيث افتقدت ساحة النجمة في هكذا مواقف الرئيس فؤاد السنيورة والنائب أحمد فتفت.  تحدث النائبان هادي حبيش ونزيه نجم، ليلفت الأول إلى أنّ الحريري كان قد طلب منهم في جلسات سابقة إيقاف مشاريع لعكار وإيجاد تمويل لها، في حين أنّ الثاني أكّد أن ما قام به الحريري يندرج ضمن صلاحياته وأن ليس في حساباته أي بعد طائفي.

بصرف النظر عن أحقية هذا الفريق أو ذاك، مما لا شك فيه أنّ مشهدية الجلسة التشريعية بصورتها الإنقسامية لا تنفصل عن حلقة الصراع في البلد، والتي شكّلت صلاحيات الرئاسة الثالثة محورها غداة التسوية الرئاسية. والأخطر أنّ ما حصل لا في مجلس النواب لا يوحي بتضامن أركان السلطة لتحقيق  ما تعهدوا به من إصلاحات لإنقاذ البلد من أزماته.