كتب شارل جبور في "الجمهورية": دلّت أحداث الأيام الأخيرة على تطورين مهمين: الأول، سياسي مع انسداد كل مخارج الحلول للتكليف والتأليف. والثاني، شارعي مع فشل محاولات استخدام الشارع لفتح المخارج الحكومية.
يتعامل الثنائي، العهد وحزب الله، مع الرئيس سعد الحريري وكأنّ دوره يقتصر على توفير الغطاء السني لحكومة بشروطهما، وأي رفض يُعبّرعنه يواجه بالاستفزاز والابتزاز والتخوين وتحميله مسؤوليات لا يتحملها، فيما من حقه الطبيعي والبديهي أن يترأس أو يغطي الحكومة التي تتناسب ورؤيته للمصلحة الوطنية، وإذا لم تتقاطع رؤيته مع رؤية "الثنائي" ما على الأخير سوى أن يتدبّر أمره من دون الحريري.
فلماذا على الحريري مثلاً أن يغطي حكومة يدرك سلفاً أنها لن تحصل على ثقة الناس ولن تنجح في مواجهة الأزمة الاقتصادية، كما أنّ تغطيته لها تجعله شريكاً في الفشل، فيما لو كان مقتنعاً بحكومة من هذا النوع لكان ترأسها شخصياً؟ فمن حق الحريري أن يقبل أو أن يرفض، ومن حق الطرف الآخر أن يلجأ إلى خيارات بديلة، ولكن ليس من حقه أن يلزم الحريري بخيارات يرفضها، وإذا كان يتعذر عليه التكليف والتأليف من دون الحريري فهذه مشكلته وما عليه سوى أن يأخذ بوجهة نظر رئيس الحكومة المستقيل وليس الضغط عليه في السياسة والشارع في محاولة لإلزامه بخيارات يرفضها من منطلقات مالية-اقتصادية لا سياسية.
وبعد أن وصل تمادي "الثنائي" إلى حدود غير مقبولة، وكأنّ وظيفة الحريري تنفيذ أجندتهما وتسهيل مصلحتهما، قرر أن يضع حداً لـ"رقصة التانغو" في بيان مدروس قال في سطوره بصراحة تامة: لن أترأس حكومة مصيرها السقوط في الشارع والفشل الاقتصادي، ولن أغطي حكومة تفليسة أتحمّل مسؤولية تغطيتها. وبالتالي، ما عليكما سوى ان تتدبرا أمركما. وبعد أن حسم موقفه تجاههما تراجع فجأة التهويل في السياسة وعلى الأرض، لأنهما لا يملكان الخيارات البديلة من دون الحريري.
فلا التهويل السياسي فعل فعله، ولا التهويل بالشارع أيضاً، بل التهويل الأخير سرّع في بيان الحريري على غرار "غزوة الرينغ" الأولى التي سرّعت في استقالته، لأنّ ما لن يقتنع به "الثنائي" هو انّ تهويله كان يمكن أن يفعل فعله لو أنّ الأزمة من طبيعة سياسية على غرار حوادث 7 أيار واتفاق الدوحة، ولكن بما انّ الأزمة مالية صرف وتتصل بثقة الناس الثائرة في الشارع، فإنّ هذا التهويل أصبح خارج السياق وخارج الصرف، فضلاً عن انّ كل محاولات ضرب الثورة بتطييفها ومذهبتها وتسييسها وتحزيبها لم تنجح ولن تنجح لعدة أسباب، أهمها: لأنّ الناس تدرك جيداً انها بخروجها من الشارع تخسر فرصة التغيير التي اقتربت منها، ولأنها متيقّنة من انّ التغيير مع هذه الأكثرية غير ممكن، ولكونها فقدت كل شيء ولم يبقَ أمامها سوى البقاء في الشارع، ولأنّ الناس الثائرة في الشارع ترفض إعادتها الى زمن الحرب وتملك الوعي الكافي الذي يجعلها تتيقّن انّ كل محاولات التسييس هدفها ضرب ثورتها وديناميتها، ولأنّ النسبة الأكبر من الناس الثائرة هي من فئة الشباب التي تريد دولة على قدر آمالها وتطلعاتها بعيدة عن الإيديولوجيات العقيمة والأدبيات الخشبية والسياسات الفاشلة.
لقراءة المقال كاملا اضغط هنا
أخبار متعلقة :