وكانت معلومات ترددت في الأوساط المالية والمصرفية مفادها أن المصرف المركزي نجح في تأمين تغطية لما يقارب 50 في المئة من حجم الإصدار، أي نحو 600 مليون دولار أميركي، ما أعطى إشارات إلى أن السلطات قد تلجأ إلى إجراء عملية استبدال. وهذا ما آثار المخاوف من أن تؤدي مثل هذه العملية إلى دفع وكالات التصنيف الائتمانية إلى خفض جديد لتصنيف لبنان الائتماني. والسبب أن مثل هكذا عملية تأتي في ظروف سياسية ومالية غير مستقرة، ووسط مخاوف حقيقية من انهيار ستتعرض له البلاد نتيجة غياب أي معالجات جدية للأزمة القائمة وانسداد أفق وصول أي تمويل خارجي محتمل.
وقد جاء اقتراح حاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة بإجراء مبادلة لحاملي السندات المحليين، وهم في غالبيتهم من المصارف اللبنانية، في حين يتم الدفع لحاملي السندات الأجانب عند الاستحقاق، بهدف عدم الوقوع في التعثر. لكن الاقتراح لم تتجاوب معه وزارة المال، بل طلبت تأجيله. وتبع ذلك اجتماع مالي عقده رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري مع الحاكم ووزير المال في حكومته علي حسن خليل، خلص فيه الحريري إلى القول، رداً على سؤال صحافي إذا كانت الحكومة المستقيلة ستعمد إلى إجراء عملية استبدال الدين، بأن الأمر متروك للحكومة الجديدة. وكان الحريري يتحدث عشية اليوم المزمع أن تعلن فيه ولادة الحكومة العتيدة، وفق الأجواء التي سادت في حينه، أي عشية يوم الخميس الماضي.
لماذا سقط اقتراح الحاكم؟
صحيح أن اقتراح الحاكم رمى إلى إيجاد المخرج بالمبالغ المتوافرة لديه من أجل الحؤول دون الذهاب إلى التعثر، لكن كان دونه عقبات عدة، لا سيما في الجانب القانوني، وفق ما يشرح لـ "اندبندنت عربية" مصدر قانوني. إذ يقول إن إجراء انتقائية في تجزئة الإصدار غير ممكن من دون إجازة قانونية. كما أن الانتقائية بين حملة السندات من المحليين والأجانب لا تبعث بإشارات جدية إلى الأسواق ولا سيما المحلية، ولا تعزز الثقة بالأوراق اللبنانية، أو بالدولة اللبنانية التي بلغت مرحلة العجز عن السداد.
وهذا الواقع دفع وكالة "فيتش" الائتمانية إلى التحذير عبر كبير المحللين لديها جيمس مكورماك من إمكان تخلف لبنان بطريقة ما عن سداد ديونه، وأن نوعاً من إعادة الهيكلة هو "أمر محتمل"، مشيراً إلى أن التعريف لحالة الديون المتعثرة هو عندما يكون هناك تغيير جوهري في شروط السداد، ويشمل ذلك مد أجل الاستحقاق أو الموعد النهائي للسداد لتجنب التخلف عنه.
وأخطر ما في تصريح المحلل الدولي أن وصول لبنان إلى هذا الوضع، يرجح أن يخفض التصنيف إلى "C"، وعند اكتمال التبادل من المرجح خفض التصنيف إلى "RD"، وهو التعثر المحدود. وهذا يعني أن الوكالة التي أطلقت تحذيرها هذا، تتجه إلى خفض التصنيف فيما لو تعذر على لبنان سداد دينه.
الحريري: مسؤولية الحكومة الجديدة
في الاجتماع المالي المسائي الذي عقد في دارة الرئيس الحريري، وخصص للبحث في الوضعين المالي والنقدي، تم التطرق إلى هذا الموضوع، من زاوية النقاش وتبادل وجهات النظر حيال ما إذا كان على الحكومة السير باقتراح سلامة أو لا. وانتهى النقاش بحسب مصادر المجتمعين إلى أن يترك الأمر للحكومة الجديدة.
واستوضحت "اندبندنت عربية" المستشار الاقتصادي للحريري، نديم المنلا الذي شارك في الاجتماع، عن حيثيات موقف رئيس الحكومة المستقيل، فكشف أنه جاء نتيجة الأجواء السائدة بولادة وشيكة للحكومة، ما يعني عملياً أنه من غير الصائب أن تتخذ حكومة مستقيلة وتصرف أعمالاً قرارات وخيارات تلزم بها الحكومة الجديدة. وانطلق المنلا بقراءته هذه من أن قرار إجراء مبادلة للدين لا يدخل في مفهوم تصريف الأعمال، بل يدخل ضمن الرؤية أو الاستراتيجية الاقتصادية للحكومة الجديدة، وما إذا كانت تعتزم إعادة جدولة أو هيكلة الدين. فعملية المبادلة تعني عملياً تغييراً في الآجال وفي معدلات الفوائد، أي إعادة جدولة، وهذا يتطلب قراراً من حكومة فاعلة وليست مستقيلة.
ولا يتوقف المنلا حصراً عند مسألة استحقاق آذار 2020، بل يذهب أبعد إلى طرح مسألة السياسة المالية والاقتصادية في شكل عام، انطلاقاً من مشروع موازنة السنة الحالية الموجود في المجلس النيابي، الذي سيطرح على النقاش في جلسة عامة دعا إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري الأسبوع المقبل. فيقول إن موضوع سندات الدين سيطرح لا محالة في الجلسة، ليأتي القرار في شأنه من ضمن التوجهات الاقتصادية والمالية الواردة في الموازنة.
صندوق النقد: انتظروا الحكومة
ويلتقي موقف الحريري مع نصيحة تلقاها من مسؤولين في صندوق النقد الدولي خلال المشاورات التي أجراها معهم طلباً لمساعدة تقنية، مفادها أنه لا بد من انتظار صدور مراسيم الحكومة الجديدة من أجل تبين برنامجها الاقتصادي والمالي وتوجهاتها.
وفي الانتظار، لا يزال الفراغ مستحكماً في المشهد السياسي المحلي، وسط استمرار تعثر جهود تشكيل الحكومة.