الجميع بات يعرف وليد رعد، الذي تحوّل بطبيعة الحال إلى أيقونة بصورته وهو يرفع قبضة الثورة، فيما كان مرفوعاً على أكتاف الأهالي، ولكن لا أحد يعرف ابن طرابلس زكريا المصري؟ لماذا، ربّما لأنّه لم يكن هناك من يوثق الإعتداء، أو لأنّ الخبر لا يحتمل ضحية ثانية.
زكريا الذي شارك يومها بالمسيرة تضامناً مع ابن بلدته الذي اعتدى عليه مناصرون للتيار العوني، افترق عن أقرانه في طريق العودة، وفي صلب عينيه هدف آخر، وهو الإتيان بالأدوية التي سيوّزعها الثوار على فقراء المدينة.
المال الذي اشترى فيه زكريا الأدوية لمحتاجي طرابلس، تلك الليلة، أمّنه شبّان وشابات، معظمهم من جونية - جل الديب - الزوق، وأكثرهم من الطائفية المسيحية، على ما يؤكد زكريا لـ"لبنان24".
انتهت عملية شراء الأدوية من الصيدلية، عائلات عدّة ستنفرج صحّياً، وزكريا الحامل للأمانة، عاد لجسر فؤاد شهاب - جونية، كي يتابع الطريق من هناك.
تحت الجسر كان زكريا بانتظار فان أو سيارة تقلّه إلى طرابلس. ربما في لحظات الانتظار، استعاد المسيرة، وجه محمد رعد وهو محمول على الأكتاف، قبضة الثورة التي رفعها، التضامن معه. ولعلّه قال لنفسه "الثورة أقوى من البطلجة"، وأنّ أكياس الدواء التي بين يديه هي الصورة الإنسانية لهذه المناطق لا جنون مناصري بعض الأحزاب. ولكن ما لم يعرفه ابن طرابلس في تلك اللحظة أنّ البلطجة كانت بانتظاره، على شكل سيارتي جيب، الأولى فيها 4 أشخاص يرتدون الخوذ، والثانية يجلس فيها 3 أشخاص ملثمي الوجوه بالأسود.
الـ7 ترجلّوا من "الجيبين"، شخصان بدءا الاعتداء على زكريا، والبقية أقاموا خلفهما جداراً، لعزل الجريمة عن عيون الشارع. إنت "من طرابلس" قال له أحدهما، مضيفاً "ربك ع رب طرابلس". ضرب على الرأس وفي نواحٍ عدّة من الجسد، مع عبارات استفزازية، على ما يقوله زكريا.
فرّغ البلطجية حقدهم على الشاب، تركوه طريحاً، ورحلوا. فيما نقل هو إلى إحدى مستشفيات المنطقة. تقرير الطبيب الشرعي تحدّث عن كسري في القفص الصدري، إضافة إلى الرضوض.
ملف زكريا حالياً في القضاء، فقد تقدّم أحد المحامين، بدعوى الشروع القتل. أما الفاعلين فهم مجهولي الهوية، تخبئوا وراء اللثام ووراء الخوذ.