رسائلٌ عديدة أراد الرئيس سعد الحريري إيصالها في ذكرى 14 شباط، وتحمل في دلالتها خروجاً كاملاً عن نهج سياسي سابق، والتأسيس لمرحلة جديدة عنوانها العريض الخصام السياسي المفتوح مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس تكتل "لبنان القوي" جبران باسيل. وإزاء المشهديّة التي أرساها الحريري، فإنّ خروجه من السلطة ورئاسة الحكومة مع ثورة 17 تشرين الأوّل، سيختلف تماماً عن العودة، رغم أنّها شبه مستحيلة خلال العامين القادمين، أي حتى انقضاء عهد عون، والتأسيس لعهد جديد على أبعد تقدير.
ومع أن الأزمة الإقتصادية والإستحقاقات الماليّة جاءت في إطار هامشي ضمن الخطاب، فإن ما قاله الحريري حمل مضامين سياسية مختلفة، ووضع الخطوط العريضة للمرحلة المقبلة. وفعلياً فإنه استشعر كما النائب السابق وليد جنبلاط حرب الإلغاء عليه، ولذلك أكد على التحالف التاريخي الثابت مع الأخير ، والمضي قدماً في جبهة واحدة نحو مواجهة العهد، والمساهمة في التأسيس لأرضيّة خصبة تمهّد للإنتخابات النيابيّة المقبلة. أما في ما خصّ القوات اللبنانية، فقد بدا الحريري خجولاً في التأكيد على علاقته معها، وهي رسالة تحملُ مضموناً مهماً في المرحلة المقبلة، إذ يعتبر الحريري أنّ القوات لم تكن وفيّة له، لكنّ إعادة التحالف في ما بعد قد يكون مرتبطاً بشروط عديدة. ومع هذا، فإنّ الحريري كان واضحاً في تأسيسه للمرحلة المقبلة بإعادة طرح الشراكة مع الوزير السابق سليمان فرنجيّة وتسويق اسمه من جديد لرئاسة الجمهورية، ما يعني أن المرحلة القادمة ستنقل التيار الوطني الحر إلى المعارضة، في مواجهة الحريري وفرنجيّة بالدرجة الأولى. وفي السياق، تقول مصادر قيادية في التيار "الوطني الحر" أنّه "على الحريري الإدراك أن الحرب ضد أحد لا تنفع، وهو يتحمل جزءاً كبيرا من مسؤولية الإنهيار، كما أنه لم يحفظ الجميل الذي قدّمه له التيار في السابق، والرد سيكون في الممارسات والتأكيد أننا سنبقى أم الصبي في البلد".
ماذا عن الإنتخابات النيابية المبكرة؟
في كلامه، أراد الحريري تبنّي مطلب الحراك بإجراء انتخابات نيابيّة مبكرة، لكن في المضمون، فإن ما يقوله الحريري لا يصل إلى حدّ التطبيق من دون إرادة سياسية، كما أن دخوله في معركة انتخابيّة جديدة قد تفتح الباب أمام خيارات ومفاجآت لن تكون لصالحه. ففي الشارع، فإنّ الوضع لا يسمح بإجراء انتخابات، في حين أن قاعدة تيار المستقبل الشعبيّة هي على طلاق مع القيادة، ما يعني أن أي مخاطرة بهذا الإتجاه ستكون مكلفة بالنسبة للحريري. ولذلك، جاء التركيز بشكل كبير على إعادة الهيكلة والتنظيم في تيار المستقبل، وتمتين التواصل مع القاعدة الشعبية لخوض أي استحقاق قادم، لأن ما برز خلال الإنتخابات النيابية الأخيرة من تراجع يفرض هذا الأمر.
الحريري يساير "حزب الله"؟
ومع الرسائل السياسيّة العديدة باتجاه العهد، فإنّ الحريري حفظ ماء الوجه مع "حزب الله"، رغم كلامه غير المباشر عن ممارسات الأخير على الصعيد الخارجي. لكن ما بدا مختلفاً عن كل السنوات الماضيّة في خطابه هذه السنة، هو عدم تحميل "حزب الله" مسؤولية التعطيل في البلد، ما يعني أن المسايرة الحريرية للحزب قائمة وواضحة. تقول مصادر مقرّبة من الحزب أن "الحريري يعلم أن الحزب لم يطعنه ولم يخذله خصوصاً في موضوع رئاسة الحكومة، كما أن الرئيس نبيه بري تعهّد له في حال قرر تولي الرئاسة أن يعمد نواب حزب الله لتسميته". ولفتت المصادر إلى أنّ "الحريري في حديثه عن أموال إيران أكّد على الحقيقة الثابتة، وهي أن ما يحصل على حزب الله من إيران هي أموال خاصة به ولا تمرّ عبر المصارف"، موضحة أن "الحزب في موضوع الانتخابات النيابية المبكرة سيؤكد على أن تأخذ الأمور شكلها القانوني والدستوري".