السريّة المصرفية يجب أن تسقط اليوم قبل الغد!

السريّة المصرفية يجب أن تسقط اليوم قبل الغد!
السريّة المصرفية يجب أن تسقط اليوم قبل الغد!

تحت عنوان أسقِطوا السرّية المصرفية، كتب ايلي الفرزلي في "الأخبار": لم يعد بالإمكان المماطلة أكثر. السريّة المصرفية يجب أن تسقط اليوم قبل الغد. كل يوم يمرّ على بقائها يعني بقاء أحد أهم مزاريب الفساد مشرّعاً.

 

أمس، خطت اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة خطوة إلى الأمام، لكن ناقصة. أقرّت رفع السرية المصرفية عن العاملين في الشأن العام، لكنها لم تمسّ بامتيازات المتهرّبين من الضريبة المحميّين بتلك السرية. الحكومة ربما تسدّ ذلك النقص. ستدرس قانوناً أبعد مدى قدّمته وزيرة العدل. المشروع بدوره ناقص، كونه لا يُسقط السرية المصرفية بالكامل. لكنه يتضمّن تعديلاً لقانون ضريبة الدخل، يفتح الباب أمام التخفّف من قوننة التهرّب الضريبي والإثراء غير المشروع، بذريعة "السرية المصرفية". يبقى المطلوب واحداً: إسقاط السرية المصرفية بالكامل، لا بسبب سيئاتها وحسب، بل لأنها فقدت جدواها أيضاً.

شكّل قانون السرية المصرفية عند إقراره في 3 أيلول 1956 تحوّلاً جذرياً في المسار النقدي والاقتصادي في لبنان. فما إن أقرّ حتى فُتحت خزائن المصارف أمام الأموال والرساميل الهاربة من بلدانها، فكان أن تكونت سيولة ضخمة. اليوم، تغيرت الأمور تماماً. عنصر الجذب تعطّل. النظام الضريبي العالمي الذي انضم لبنان إليه أفرغ هذه الميزة من مضمونها. الثروات الأجنبية المخبأة في المصارف، صارت مكشوفة بحكم دخول لبنان في مجموعة من المعاهدات التي فرضت عليه إقرار قانون تبادل المعلومات الضريبية. ذلك أدى عملياً إلى إلغاء السرية المصرفية أمام الإدارات الضريبية الأجنبية، على رأسها الأميركية. مع ذلك، ظلت الودائع تتدفق إلى لبنان وإن بوتيرة أقل، وأبرزها من لبنانيين مغتربين، بسبب الفوائد العالية التي تقدمها المصارف.

بعد الأزمة المالية غير المسبوقة، التي كانت أوّل تداعياتها مصادرة المصارف لأموال المودعين، سقطت كل عوامل الجذب التي كان يؤمّنها النظام المصرفي اللبناني… وبالتالي سقط النظام المصرفي، بالشكل الذي كان معروفاً به. هذا يعني تلقائياً عدم جدوى استمرار السرية المصرفية، التي تحولت عملياً إلى أداة لجريمتين: التهرب الضريبي والإثراء غير المشروع.

منذ سنوات، يناقش تعديل قانون السرية المصرفية في مجلس النواب. وصل اليوم إلى نهاية الطريق، بوصفه جزءاً من سلسلة قوانين تتعلق بمكافحة الفساد، أبرزها:
قانون الإثراء غير المشروع، الذي ينصّ التعديل المقترح عليه على أن يصرّح أي مواطن يتولى مسؤولية عامة عن أملاكه في الداخل والخارج عند تعيينه، ثم كل ثلاث سنوات، وبعد انتهاء عمله.
قانون استرداد الأموال المنهوبة الذي يتضمن آلية تعقّب وطلب واسترداد الأموال من الخارج، بعد ثبوت تورط أصحابها بالإثراء غير المشروع.
قانون إنشاء هيئة مكافحة الفساد، الذي أقرّه مجلس النواب وردّه رئيس الجمهورية رفضاً للتمييز بحق الحزبيين الذين يمنع القانون أن يكونوا أعضاء في الهيئة، ويُتوقع أن يعود المجلس ليؤكد عليه ترسيخاً لاستقلالية الهيئة.

أمس، أعلنت اللجنة النيابية الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة إنهاء دراسة اقتراحَي رفع السرية المصرفية والإثراء غير المشروع، على أن تجرى قراءة أخيرة لهما بصيغتهما النهائية، في جلسة تعقدها اللجنة الإثنين المقبل.

بالنسبة إلى رفع السرية المصرفية، فقد أعلن رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان أنه تم توحيد الاقتراحات المقدمة من كل من: التيار الوطني الحر، حزب الكتائب، النائبة بولا يعقوبيان والنائب جميل السيد، مع بعض التعديلات. وتمحورت الصيغة النهائية حول "رفع السرية المصرفية تلقائياً بمجرد تولّي منصب عام".

بحسب كنعان، تشمل الصيغة كل من يتعاطى في الشأن العام والمال العام، إن كان عاملاً معيناً أو منتخباً أو متعاقداً. خلفية القانون هي محاربة جرائم الفساد. ولذلك، لم يجد إلغاء السرية المصرفية نهائياً طريقه إلى الإقرار، بالرغم من أن عدداً من النواب، إضافة إلى نقابة المحامين يؤيدون ذلك. الأغلبية لا تزال تتمسّك بالسرية المصرفية، بذريعة أن "الإلغاء بالمطلق لا يفيد ويفتح المجال أمام الاستعمال الخاطئ للقانون، أضف إن التعديلات انطلقت من الاقتراحات المقدمة، وهي جميعها لا تشير إلى الإلغاء بالمطلق".

مع ذلك، تبدو خلاصة اللجنة قاصرة عن الإحاطة بكل مزارب الفساد. التهرب الضريبي هو أحد أوجه هذا الفساد. وهو صار جرماً يعاقب عليه القانون نظرياً، لكن عملياً فإن تنفيذه يبقى متعذراً لأنه يصطدم بالسرية المصرفية التي لا تزال تمنع الإدارة الضريبية المحلية من التدقيق في حسابات المكلّفين بالضريبة. هذه الثغرة هي التي سمحت لأغلب المكلّفين بالضريبة بامتلاك دفترين للحسابات، دفتر يقدم للإدارة الضريبية ويكون غالباً خاسراً، ودفتر يقدم إلى المصارف، متضمناً الأرباح، التي تسمح بالحصول على القروض. ولأن الموظفين تقتطع الضرائب من دخلهم مباشرة، تكون الخلاصة أن المتهربين من الضريبة والمستفيدين من صمود السرية المصرفية، هم في الأغلب، الأغنياء فقط.

 

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى