لبنان على خطى اليونان... هل يكون الإنقاذ بإجراءات 'موجعة'؟!

لبنان على خطى اليونان... هل يكون الإنقاذ بإجراءات 'موجعة'؟!
لبنان على خطى اليونان... هل يكون الإنقاذ بإجراءات 'موجعة'؟!
ليس لبنان البلد الوحيد الذي يتعثّر إقتصاده ويعجز عن سداد ديونه الخارجية. فقد سبقته في هذه الحالة جاراته الأقرب إليه في منطقة دول البحر الأبيض المتوسط، أي اليونان وقبرص، وكادتا تصلان إلى حافة الإفلاس لو لم تهبّ الدول الأوروبية إلى مدّ يد المساعدة لهما، مع إتخاذهما إجراءات إصلاحية قاسية مكنتهما بعد طول معاناة من تجاوز أزمتيهما في فترة قصيرة نسبيًا. وهذا ما يفترض على لبنان السير به من خلال إتباعه الخطوات ذاتها التي سارت عليها كل من أثينا ونيقوسيا، مع فارق قد يكون كبيرًا، وهو أن كلًا من اليونان وقبرص ينتميان إلى الإتحاد الأوروبي، الذي هبّ بعد طول إنتظار ونقاش حاد، إلى مساعدتهما، ولم تكونا خاضعتين للتأثيرات الأميركية، التي تمارس على لبنان من خلال العقوبات الإقتصادية المفروضة على "حزب الله".

ولكن، وبغض النظر عن الضغوطات الأميركية، فإن لبنان قادر من خلال إتخاذ حكومته إجراءات إصلاحية ضرورية، على كسر الطوق الأميركي، أقله بالنسبة إلى الدول الأوروبية، وفي مقدمها فرنسا، التي تشترط تسريع الخطى الإصلاحية كمقدمة للإفراج عن تقديم المساعدات المالية له.

وكما نجح كل من اليونان وقبرص في تجاوز محنتهما فإن لبنان قادر، في حال توافرت الإرادة ووحدة الرؤية لدى المسؤولين، على الخروج من أزمته بأقل اضرار ممكنة، شرط إيفائه بالشروط الإصلاحية المفروضة عليه، والتي تقضي بوضع خطة زمنية سريعة تدخل حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن، خصوصًا في ما يتعلق بوضع الكهرباء، الذي يتقدّم على غيره من الإصلاحات المالية والإدارية، إن لم يكن المطلوب العمل في خط متوازٍ بين إصلاح إدارة قطاع الكهرباء، الذي يستنزف قدرات المالية العامة، وبين الإصلاحات المالية، التي تقوم على سياسة تقشفية صارمة لا تأخذ في الإعتبار المصالح الخاصة للمسؤولين، الذين تقع على عاتقهم مسؤولية وصول الوضع إلى ما وصل إليه من تدهور، وإن كان الأمر يتطلب إتخاذ بعض الإجراءات "الموجعة"، والتي لا بدّ منها، على رغم أنها ستلقى معارضة شرسة من الشارع، الذي لا يثق بأي إجراء قد تتخذه السلطة الحاكمة.


منذ ثمان عشرة سنة سبق للنائب الراحل نسيب لحود إن قال في ما نعانيه اليوم: "البراعة هي في وقف هذا السباق المرهق بين زيادة الضرائب وتزايد خدمة الدين. والشجاعة هي في الجلوس في أقرب فرصة مع المصارف، وهم القوامون على الجزء الاكبر من الدين العام، والتباحث معهم في مستقبل هذا الدين، وصولاً إلى برنامج زمني لإعادة هيكلته، وإعادة النظر في فوائده، بما يوفق بين المصالح الحيوية للقطاع المصرفي من ناحية وقدرات الخزينة وإمكاناتها من ناحية ثانية. في المقابل، على السلطة أن تعي أن إعادة الهيكلة لا يمكن أن تقتصر على الدين العام وحده. فالهامش الكبير الذي يدفعه لبنان في معدل الفائدة هو هامش سياسي واقتصادي". وطلب تخفيض هذا الهامش من المصارف يجب أن يقابله تحسن حقيقي في عناصر الثقة السياسية والاقتصادية والإدارية بالبلاد."

التجربة اليونانية

فما الذي فعلته أثينا لتخرج من كبوتها وتحقق تلك المعجزة الاقتصادية بعد ست سنوات من الأزمة الاقتصادية الطاحنة؟

كانت اليونان أكثر دول العالم اقترابًا من حافة الافلاس الفعلي، وتمثلت أزمته الكبرى في الاقتراض، حيث ارتفعت قيمة الديون السيادية على أثينا لدرجة أعلنت معها اقترابها من العجز عن السداد، وهو ما كان يهدد انذاك بأزمة مالية عالمية كبرى. 

ومع منتصف عام 2010 طلبت اليونان رسميًا من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي الحصول على مساعدات عاجلة لتتمكن من سداد فوائد وأقساط الديون في مواعيدها المقررة. وتلقائيًا ارتفعت قيمة التأمين على الديون السيادية لليونان، وصعدت أسعار الفوائد على الديون، ما عزز من الأزمة المالية الطاحنة لأثينا. لجأت اليونان للاتحاد الأوروبي التي تتمتع بعضويته في محاولة لإنقاذ الوضع قبل أشهر قليلة من حلول موعد سداد أقساط ديونها. واختلف رأي زعماء الاتحاد الأوروبي آنذاك بين مساعدة اليونان أو إقصائها بعيدًا عن الاتحاد لمنع تأثر الدول الأوروبية بهذه الأزمة، ليختاروا في النهاية تقديم المساعدة لأثينا. واتفق زعماء أوروبا – بدعم من صندوق النقد الدولي – على تقديم حزمة مساعدات إلى اليونان بقيمة 110 مليار دولار على مدار 3 سنوات. 

وشملت حزمة المساعدات دعما ماليا مباشرا، بالإضافة إلى برنامج لمبادلة الديون، وشطب جزء من ديون أثينا لدى دول وجهات تابعة للدول الأوروبية. 

كما منحت أوروبا اليونان حزمة مساعدات ثانية في منتصف 2012، لاستكمال خطة الانقاذ، وفي محاولة لتقليص العجز في الموازنة بنحو 150 بالمئة من الناتج القومي للبلاد. ولم يكن هدف أوروبا يقتصر على مساعدة اليونان فحسب، وإنما مساعدة مؤسسات الاتحاد الأوروبي كذلك ومنعها من الانهيار حال إعلان اليونان عجزها عن السداد وما قد ينطوي عليه من افلاس عدد من البنوك والمؤسسات الأوروبية. 

وعلى رغم ذلك اشترط الاتحاد الأوروبي اجراءات تقشفية يونانية صارمة، لكبح جماح عجز الموازنة. 

ووفقًا للخطة الأوروبية كان على اليونان تقليص عجز الموازنة من نحو 9 بالمئة من الناتج القومي إلى 3 بالمئة فحسب في نهاية عام 2014.  وأجرت أثينا – تحت رقابة صارمة من الاتحاد الأوروبي – اجراءات تقشفية واسعة شملت تخفيض في كل بنود الانفاق العام، من ضمنها تقليص الرواتب ومكافآت العمل الاضافي للموظفين الحكوميين وتكاليف السفر وغيرها من المصروفات الحكومية.

كما قلصت اليونان من برنامج المعاش للموظفين، وقامت بتسريح الآلاف من الموظفين الحكوميين من وظائفهم. وقامت الحكومة برفع الضرائب على السيارات والوقود وبعض السلع الترفيهية، في محاولة لخفض العجز، في وقت شهدت البلاد عدة تظاهرات شعبية غاضبة من الاجراءات التقشفية الصارمة والكبيرة، والتي اعتبرها اليونان تدخلا أوروبيًا في شؤونهم، وتقليصًا من السيادة الوطنية، بالإضافة لكونها زادت معاناة الشعب.

رغم الغضب الشعبي الذي ظهر بين الشعب اليوناني خلال الأعوام الماضية جراء الاجراءات الاقتصادية الصارمة، إلا أن الواقع يؤكد نجاح الخطة في تحقيق الهدف منها.

وجاءت المعجزة التاريخية اليونانية - كما أطلق عليها أحد المصرفيين اليونانيين في حديثه مؤخرًا لبلومبيرج – بسبب تجرع الدواء المر في شجاعة.

ويبقى السؤال: هل يتحمّل اللبنانيون إجراءات "موجعة" يقول المسؤولون أن لا بدّ منها، وهذا ما فعلته دول كانت تشبه أوضاعها أوضاع لبنان وإستطاعت أن تخرج من أزمتها بأقل أضرار ممكنة؟

الإستحقاق الأول، الذي يقلق المسؤولين هو إستحقاق "اليوروبندز"، ليأتي بعد دور "الإجراءات الموجعة"، وهذا ما يعارضه الكثير من المكونات السياسية، وعلى رأسها "حزب الله"، على أن يقى السؤال: ماذا بعد؟ من دون جواب.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى