ليل القضاء يناقض نهاره عشية القرار الحكومي بشأن اليوروبوند

ليل القضاء يناقض نهاره عشية القرار الحكومي بشأن اليوروبوند
ليل القضاء يناقض نهاره عشية القرار الحكومي بشأن اليوروبوند
ليست الحكومة وحدها من تعيش حال من التخبط حيال جملة قرارات يجب أن تتخذها، منها سندات اليوروبوند عشية استحقاق الدفعة الأولى منها لهذا العام، بل القضاء أيضًا أمام مشهدية انفصام شديدة التعقيد، ظهرت عوارضها المدمّرة بقرار غير مسبوق وغير محسوب المخاطر، اتخذه النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم بوضع إشارة منع تصرّف على أصول 20 مصرفاً لبنانيّاً، وما هي إلّا ساعات حتى أُبطل القرار القضائي بقرار قضائي آخر من قبل النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات الذي جمّد قرار ابراهيم، بعدما تبين له أنّه يهدد المصلحة الوطنية ويدخل البلاد وقطاعاته النقدية والمالية والاقتصادية في الفوضى، بحسب ما ورد في بيان عويدات. هذا الإرباك القضائي فعل فعله لدى السلطات المالية الدولية التي باشرت في إيقاف التعامل مع المصارف والهيئات المالية اللبنانية وفرضت ضمانات للعمل معها.

 حرب ضروس بين السلطة السياسية من جهة والمصارف من جهة ثانية، ظهرت ملامحها قبل أيام، وبالأمس دخل القضاء على خطّها، في وقت كان المواطن ينتظر من الأخير إعادة الأموال المهرّبة وفضح مرتكبيها ووضع حدّ لإذلال الناس على أبواب المصارف. مفاجأة ابراهيم تزامنت وبدء العد العكسي لحسم الحكومة قرارها بشأن سندات اليويوبوند المستحقّة الإثنين المقبل، وعلى رغم عدم الترابط المباشر بين القرارين، إلّا أنّه لا يمكن إغفال الضغط المصرفي على الدولة لدفع السندات، فضلًا عن حملة التهويل التي قادها بعض الخبراء الإقتصاديين المقربين من المصارف حول تداعيات التخلّف عن الدفع، علمًا أنّ الكباش المصرفي السياسي  كان قد تمظهر في أكثر من محطة، منها ما كشفه الرئيس نبيه بري قبل حوالي شهر من أنّ "خمسة من أصحاب المصارف اللبنانية سحبوا أموالهم الخاصة من مصارفهم وأرسلوها خارج لبنان"، وما نقله عنه النواب في لقاء الأربعاء النيابي  أنّ "المصارف هي التي أوصلتنا الى خسارة نسبة الـ75 في المئة من الدين وتتحمل المسؤولية مع الشارين الأجانب"، في إشارة  إلى أنّ المصارف باعت جزءًا كبيرًا من سندات الخزينة اللبنانية التي كانت تحملها الى جهات خارجية في هذا التوقيت الحسّاس، وبالتالي بات حاملو السندات الأجنبية يستحوذون على أكثرية السندات بعدما كان الدين داخليًا بغالبيته، ما أضعف قدرة الدولة في عملية التفاوض مع الدائنين.

في أي حال ستختار الحكومة ما بين السيىء والأسوأ بشأن الإستحقاقات المالية، وقد عمدت عن سابق تصميم إلى تأخير إعلان قرارها وتركه للساعات الأخيرة قبل الإستحقاق، علمًا أنّ بري قد مهّد له في لقاء الإربعاء بعدم الدفع بقوله "أغلبية الشعب اللبناني وكذلك المجلس النيابي ترفض رفضاً مطلقاً الدفع المسبق". لكن المعضلة ليست في قرار الدفع من عدمه، استنادًا إلى رأي الخبير الإقتصادي محمد وهبه في حديث لـ "لبنان 24" ، بل في الخطوة التي سترافق هذا القرار، "إذ لا يمكن أن نقول للدائنين نحن لن ندفع وتنتهي المسألة هنا، وعدم الدفع، وهو القرار المرجّح على ما يبدو، لا يجب أن يُتخذ بشكل منفرد، من دون إرفاقه بالتفاوض مع الدائنين حول إعادة هيكلة الدين العام أو جدولته، ومن دون خطّة إنقاذية توحي للدائن بالمصداقية، من خلال إتخاذ خطوات إصلاحية في أماكن أصبحت معروفة، منها تخفيض عجز الكهرباء الذي يرهق الخزينة، وتقليص حجم التوظفيات في القطاع العام، وتقليص حجم إيجار المباني الحكومية عبر بناء مجمع واحد للمباني الحكومية لا يكلّف الدولة ما دفعته لشراء مبنى " تاتش" بقيمة 75 مليون، وتحصيل أموال الأملاك البحرية وضبط الحدود". أضاف وهبه "التخلف عن الدفع من دون خطة إصلاحية، يسيء إلينا، وهو بمثابة إعلان لبنان بلدًا متعثرًا". 

على رغم سوداوية المشهد وما يتخلله من أرباك ثلاثي الأبعاد سياسي قضائي ومصرفي، فرصة إنقاذ أنفسنا من الإنهيار الشامل ما زالت ممكنة بحسب وهبه، من خلال اتخاذ قرارات جريئة تبدأ بإستعادة الأموال المنهوبة وتلك المحوّلة إلى الخارج، إضافة إلى وقف الهدر وإعادة ثقة المغترب بالقطاع المصرفي، ومساءلة ومحاسبة حقيقية على صعيد القضاء.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى