"نجلس كل ليلة أمام التلفاز كي نتابع نشرات الأخبار ما ستقوله عن الكورونا"، بهذه العبارة يبدأ أحد السجناء القابعين في المبنى "ب" في رومية، بسرد يومياتهم مع الكورونا، في حديث هاتفي مع "لبنان 24".
علماً أنّ عدد سجناء لبنان هو 7066 سجين، موزّعون على 24 سجناً. إلا أنّ لسجن رومية حصة الأسد، فهذا السجن الذي شيّد ليتسّع لـ1500 سجيناً، يضم اليوم نصف سجناء لبنان أي نصف الـ"7066".
"كلمة واحد تشعل السجن وكلمة واحد قد تهدّئ روعنا هنا، فحالة الهلع موجودة هنا كذلك"، يقول السجين الذي قبل أن يحاورنا، مضيفاً: "الإعلام يغيّب المبنى "ب" عن منابره، لأسباب مناطقية وطائفية وهذا ما يستفز السجناء أيضاً".
الغرف في المبنى "ب" مجهّزة لشخص أو شخصين في حدّ أقصى، إلا أنّ كلّا منها تضمّ بين 4 و6 سجناء، ما يسبّب حالة من الازدحام تدفع بالبعض إلى النوم في الممرّات. حالة الاحتكاك بين السجناء تبدأ منذ آذان الفجر – على ما يروي السجين – ولا تنتهي حتّى آخر الليل: "فكرة الحجر الصحّي مستحيلة في هذه الزنازين المكتظّة، والسجناء يختلطون مع بعضهم في الغرف والممرّات والباحة وأماكن الصلاة، إضافة إلى الاحتكاك اليومي مع فريق السجناء الذي يوزّع الطعام، ومع العناصر الأمنية التي نختلط بها يومياً".
"الخطر الحقيقي علينا هو من العناصر الأمنية"، يقول السجين فـ"هم لا يرتدون الكمّامات ولا القفازات، كما أنّه يتم تبديلهم دون معرفة طبيعة الإجراءات المتّخذة لحمايتنا منهم". أما عن السجن فيحدّثنا السجين بلا حرج: "من الداخل لا تعقيم في الزنزانات منذ بدء الأزمة. أما خارج أسواره فعقّم مرّة واحدة الأوديكس الممزوج بالفلاش".
"صيدلية السجن عبارة عن غرفة فارغة في مكتب صغير"، يقول السجين، فكلمة صيدلية "مبهبطة" على هذه الغرفة، وهي لا تضمّ إلاّ "أدوات بسيطة جزء كبير منها معطّل، جهاز أوكسجين معطّل، ومسكّنات بسيطة".
لم يحصل السجناء حتى اللحظة على كمّامات أو أدوات تعقيم رغم مطالبتهم المستمرة بذلك، فحتى "جيل" التعقيم ممنوع عليهم، أما قياس الحرارة فيتم بميزان بدائي "يتيم" يستعمل لجميع السجناء.
"الكورونا يخاف من جدران السجن"، يقول سجين آخر لـ"لبنان 24"، ساخراً. فالباحة الخارجية "مليئة بمياه الصرف الصحّي الآسنة، والجرذان تلهو وتلعب بين أقدامنا. فيما الإجراءات لا تتجاوز تعليق ورقة للتعليمات، إضافة إلى منع زيارات المواجهة، أي الاحتكاك الجسدي مع الزوّار، وهي نادراً ما تحصل في الأيام العادية، أما المواجهات من خلف السياج واللوح الزجاجي فهي مستمرّة لكن بعدد أقلّ، إذ يدخل شخص أو شخصين. وهؤلاء فقط يحتك بهم العناصر".
كيف تتعاملون مع الوضع؟ هل تقومون بوقاية ذاتية؟
يصمت السجين الثاني طويلاً قبل الإجابة عن هذا السؤال: "هناك فارق بين مجتمع السجن ومجتمع الخارج، الناس هنا بسطاء وأقل من 10% منهم فقط هم من يملكون الوعي والقدرة المالية، فبعض السجناء يستخدمون فرشاة الأسنان نفسها. أما المعقّم الوحيد المتواجد فهو الصابون، الذي أيضاً لا يملكه الجميع".
يتحدث السجين عن المبادرات الفردية التي يقومون بها كي يساعدوا بعضهم بعضاً، فمعظم السجناء هم من الفقراء، أما الجمعيات المعنية فتتعامل معهم على قاعدة "زوروني كل سنة مرة".
"نخاف من الموت بالفيروس"، يقول السجين، ناقلاً الصرخات التي ترتفع على ألسنة زملائه من الذين قاربت مدّة محكومياتهم على الإنتهاء: "إصابة واحدة في السجن هي بمثابة إعدام جماعي".
السجناء يطالبون بأن تكون وزارة الصحّة هي المسؤولة عن رعاية السجن لا وزارة الداخلية، فـ"العسكر ليس اختصاصهم الجانب الصحّي"، يقول مناشداً الجمعيات تقديم الكمامات والقفازات وأدوات التعقيم للسجناء: "الوضع مبكي هنا والسجناء يخافون على أنفسهم وعائلتهم"، يقول السجين، متوقفاً عند إعلان "التعبئة العامة" وعدم تمكن العديد من عوائل السجناء الفقيرة من العمل وجني قوت أيامها.
هذا السجين يجدّد المطالبة بالعفو العام: "هذا وعد قطعته الحكومة السابقة وأدرج في البيان الوزاري. والسجناء بدأوا فعلياً الإضراب الجزئي برفض أيّ طعام يدخل إليهم لاسيما وأنّهم لا يعلمون طبيعة الوقاية في المطبخ. وهم سيتجهون إلى الإضراب العام يوم الخميس".
"أنتم جربتم مكافحة الشغب في التظاهرات ونحن نخاف منهم أيضاً في إضرابنا"، يقول السجين، مشيراً إلى "العصا الغليظة" التي تلوّح لهم بها عناصر مكافحة الشغب عند أيّ إضراب، حتّى وإن كان سلمياً، فيتم الإقفال على السجناء ومنعهم من استخدام الـ"تيلي كارت" لاستعمال الهاتف، ويعانون من حجب الزيارات عنهم، إضافة إلى حملات تفتيش تزداد وتيرتها ويتخللها "تحطيم مقتنيات السجناء وتوجيه الألفاظ النابية إليهم"، بحسب السجين.
وعلم "لبنان 24" أنّ إضراب السجناء يتزامن مع استعداد الأهالي إلى التصعيد في تحركاتهم خلال الأيام المقبلة، وأنّ رئيس "المجلس الأعلى لاتحاد الأطباء العرب" النقيب السابق للأطباء في طرابلس و مسؤول الملف الصحي في لجنة إدارة الكوارث في بلدية طرابلس الدكتور عمر عياش، ونقيب المحامين في طرابلس والشمال محمد المراد، يعملون على تحضير خطة طوارئ متكاملة، خصوصاً لسجون الشمال، وذلك بالتعاون مع النقابات الحرة والبلديات، بحسب محامي الموقوفين الإسلاميين محمد صبلوح.
وتهدف الخطة إلى توعية العناصر الأمنية والسجناء، وإدارة السجناء. ومن ضمن الخطة تخصيص غرفة خاصة لفحص السجناء في مستشفى رفيق الحريري وتأمين المعدات اللازمة لها، على ما يكشف صبلوح في حديث لـ"لبنان 24".
ويشير صبلوح إلى أنّ أهم النقاط التي تمّ التباحث فيها هي:
- التنسيق مع إدارة السجون للإضطلاع على السجل الصحّي للسجناء وتقييمه، وفرز الحالات التي تحتاج للخضوع الى فحص "PCR ".
- تأمين فريق طبي متخصّص، لتوعية وتوجيه الفرق الطبية في السجون، والمسؤوليين العسكريين، والعاملين في السجون، والسجناء، حول كيفية التعامل مع فيروس كورونا.
- السعي لتأمين معدّات الحماية الشخصية للسجناء.
- السعي لتأمين الخرائط الهندسية للسجون، لبحث إمكانية إقامة مراكز عزل في سجون الشمال.
وكان وزير الداخلية محمد فهمي قد أكّد لـ"الجديد"، أنّه لم يسجّل أي إصابة بالكورونا في سجون لبنان، وأنّهم يتعاطون مع السجناء كعناصر الأمن. وبحسب الوزير، فقد تمّ زيادة الطاقم الطبي في السجن.
وأوضح فهمي للقناة، أنّه "يعمل على مشروع قانون ينص على دفع الدولة الغرامات للسجناء الذين انتهت محكوميتهم".
من جهة أخرى، أكّد مصدر أمني لـ"لبنان 24" أن لا "كورونا في سجون لبنان"، معلناً الاكتفاء بالإجراءات التي أعلنتها صفحة قوى الأمن الداخلي على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي:
- إخضاع العناصر والزائرين للتعقيم.
- نقل أيّ سجين إلى المستشفى في حال ظهور عوارض الفيروس.
- القيام بإجراءات التعقيم اللازم في آليات السوق بعد انتهاء المهمة.
- حصر مواجهات السجناء بشخص واحد من العائلة.
- إجراء المواجهات من خلال زجاج عازل.
- عدم نقل أيّ موقوف جديد إلى السجون.
- تجنّب الاحتكاك قدر الإمكان بين العناصر والسجناء.