سلطة تخاف من جيشها!

سلطة تخاف من جيشها!
سلطة تخاف من جيشها!

لو أعطي الجيش والقوى الأمنية صلاحية فرض التعبئة العامة بقوة القانون وبقوة المنطق لما كنا قد وصلنا إلى هذا العدد من الإصابات، ولكنا إستطعنا أن نحصر الأضرار ونخفّف منسوب القلق والخوف، ولما كان بعض المستهترين والمستلشقين قاموا بما قاموا به من عراضات جماعية، سواء من خلال إقامة الصلوات الجماعية أو التنزه على الكورنيش أو المشاركة في أعراس وحفلات الدبكة والطبل والزمر، ولما كان هؤلاء تجرّأوا وخاطروا بحياتهم وحياة عيالهم والمجتمع، الذين يعيشون فيه، وتعريضه لكل ما يمكن أن يكون سببًا مباشرًا لإنتشار هذا الفايروس، الذي لا ينتقل سوى من خلال الإختلاط ومن خلال عدم الإحتراز وإتخاذ جانب الحيطة والحذر.

 

قد تكون المرّة الأولى، منذ 29 شباط الماضي، التي يكون فيها الإلتزام بـ"خليك بالبيت" إلتزامًا تامًا، حيث لم تسجل أي حالة إخلال بالتوجيهات التي أعطتها القوى الأمنية وفرضتها بالقوة، فخلت الشوارع في مختلف المناطق من المارّة، بإستثناء بعض الحالات، التي تبين أنها للضرورة القصوى، مما ترك إرتياحًا في الوسط الطبي، الذي إستبشر بهذه الخطوة، وذلك للحؤول دون المزيد من إنتشار الوباء والعمل على حصره قدر الإمكان. وبذلك يكون لبنان قد سار، ولو بالقوة، على طريق الصين، التي إستطاعت أن تواجه الـ"كورونا" بفرض الحجر المنزلي، الذي إلتزم به الجميع، على عكس ما حصل في إيطاليا مثلًا، حيث تمّ الإستخفاف بما يمكن أن يؤدي إليه هذا المرض الخطير فكانت النتيجة كارثية.

 

وقد اثبتت هذه التجربة أن الشعب اللبناني لا يمشي بالمنيح، بل يحتاج دائمًا إلى أدوات المنع، وهذا الأمر يمكن التأسيس عليه عندما ننتهي من محنة الـ"كورونا"، في كل مناحي الحياة، فيفرض تطبيق القانون بقوة هذا القانون، وتُتخذ بحق المخالفين تدابير زجرية وقاسية، إذ لم يعد مقبولًا أبدًا التساهل بعد محنة الـ"كورونا" مع من يسمح لنفسه بإستباحة القوانين، وبالأخص قانون السير، الذي تُعتبر مخالفة بنوده آفة بحدّ ذاتها، وهي تتطالب من القوى الأمنية فرض تطبيقه من دون مسايرة أو الأخذ في الإعتبار إنتماء المخالفين، لأن الجميع متساوون أمام القانون.

 

وهذا الأمر يقودنا إلى أمر آخر، وهو ضرورة إعلان حالة الطوارئ لفرض الإلتزام الكلي بالحجر المنزلي إلى حين زوال أسباب هذا الحجر، إلاّ إذا أعتبرنا أن السلطة تخاف من جيشها، وتخشى أن تنفضح أمام جدّية المؤسسة العسكرية في فرض القوانين وهيبة الدولة من دون أي خلفيات سياسية أو حسابات ضيقة تأخذ في الإعتبار مصلحة هذا الفريق السياسي أو ذاك الطرف، الذي لا تناسبه أن يفرض الجيش، وبقوة وبيد من حديد، الإجراءات التي تجبر الناس على ملازمة منازلهم وعدم مخالفة ما يُفرض عليهم لمصلحتهم أولًا وأخيرًا.

 

وأكثر ما تخشاه الطبقة السياسية الحاكمة أن يلجأ المواطن إلى المقارنة بين سلطتها وسلطة الجيش، وإكتشاف الفرق بين السلطتين، مع العلم أن الأولى دائمة، فيما الثانية مؤقتة ومحدّدة الأهداف.

 

فالسلطة التي تخاف من جيشها تبقى سلطة مجتزأة وناقصة في الموازين الوطنية الصافية، حيث اثبتت المؤسسة العسكرية أنها فوق الخلافات وفوق المصالح الخصية وهي لا تأخذ في الإعتبار سوى مصلحة الوطن وما يؤّمن للمواطن حماية صحية وحماية امنية وحماية إجتماعية.

 

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى