أخبار عاجلة

إنتخابات الفيحاء: معركة على أحجام الزعامة السنِّية

إنتخابات الفيحاء: معركة على أحجام الزعامة السنِّية
إنتخابات الفيحاء: معركة على أحجام الزعامة السنِّية

ناصر شرارة – الجمهورية

 

راقب زعماء طرابلس السنّة، على مدى الاشهر الماضية، بعناية فائقة مسار تأثيرات ما يحدث من تغييرات في نظرة الرياض الى الواقع اللبناني عموماً وضمنه الواقع السني خصوصاً، وذلك لكي يرسموا على أساس نتائجها استراتيجياتهم الانتخابية في كل الدوائر ذات الغالبية السنية، وخصوصاً في دائرة طرابلس المصنّفة على أنها عاصمة السُنّة الاولى والعاصمة الثانية لكل لبنان. وقد فهم أخيراً نظرة السعودية الى الساحة السنية، على انها الحرص على تجميعها والبقاء على مبدأ الحفاظ على زعامة سعد الحريري، مع إيلاء اعتراف ببقية زعماء السنّة الآخرين.
وكان من التأثيرات المباشرة لاتّضاح الصورة النهائية لموقف الرياض، تبريد جبهات انتخابية بينية سنية كان متوقعاً لها الاشتعال، كعكار التي عَدل الرئيس نجيب ميقاتي عن تشكيل لائحة فيها تنافس لائحة الحريري، وكبيروت التي انسحب أشرف ريفي من لعبة تشكيل لائحة فيها تواجه لائحة «المستقبل»، والتي اكتفى ميقاتي فيها بدعم غير معلن للائحة صلاح سلام، بعدما حاولَ قبل عام مَد «يده الخدماتية المؤسساتية» الى حي «طريق الجديدة» المعتبر القلعة الشعبية الاساس لزعامة الحريري في بيروت.

غير انّ دائرة طرابلس- المنية- الضنية ظلت بعيدة عن التبريد الانتخابي بين زعماء الساحة السنية، حيث اعتبرها هؤلاء بمثابة ساحة منازلة بينهم، لا تحمل فقط بُعداً انتخابياً، بل تحمل معنى سياسياً له المعنى السياسي نفسه الموجود داخل المنافسة المارونية البينية في دائرة البترون ـ بشري ـ زغرتا.

ففي الأخيرة ستحدد نتائج الانتخابات نسَب حظوظ إسم فخامة الرئيس الماروني العتيد (جعجع بشري ـ باسيل وحرب البترون ـ وفرنجية زغرتا)… وستحدد نتائجها في دائرة طرابلس ـ المنية – الضنية، الأحجام السياسية للشخصيات السنية المتنافسة مع الحريري على لقب «زعيم سُنّة لبنان» و»دولة الرئيس الثالث»، وهم بحسب ترتيب قوتهم: نجيب ميقاتي وأشرف ريفي وفيصل كرامي، وإليهم أيضاً، (ولكن من داخل التحالف مع الحريري)، يتموضع محمد الصفدي الذي قرّر عدم الترشح لمصلحة الحريري في انتخابات هذه السنة.

ووراء موقف الصفدي هذا سر يعود عمره للعام الماضي، ومفاده أنّ النقاشات الداخلية التي حصلت داخل تيار «المستقبل» حينها، رَشّحته ليكون الشخصية التي يجب ان ينتقل اليها «الدور» الذي يشغله السنيورة داخل معادلة زعامة آل الحريري. بمعنى ان يصبح الصفدي منذ الآن، وليس السنيورة، هو رئيس الحكومة في الفترات التي يكون فيها للحريري مصلحة بالابتعاد موقتاً عن السراي الحكومي الكبير وممارسة دور أقرب الى المعارضة.

في العادة تنتخب طرابلس اجتماعياً، فيما الضنية تنتخب عائلياً، والحال نفسه بالنسبة الى المنية. ولكن طرأ على اجتماع طرابلس حالات انقلابية سياسية ـ اجتماعية متتالية، تتمظهر نتائجها في انتخابات هذه السنة. الحالة الاولى مثّلها ميقاتي الذي دشّن فيها «زعامة المؤسسة الخدماتية» التي تشتمل على مدارس (مدارس العزم التي تضمّ آلاف الطلاب) وجامعات يديرها نحو 2000 موظف.

وهؤلاء جزء ضارب من ماكينة ميقاتي الانتخابية. ثم تلاه الصفدي الذي أطلّ على الشأن العام في المدينة في تسعينات القرن الماضي من خلال نافذة تبرّعه بدعم «الرابطة الثقافية» التابعة تاريخياً لزعامة آل كرامي، ولكنه بعد فترة، قرر ان يدشّن لنفسه حيثية مستقلة، فأنشأ «مجمع الصفدي الثقافي» وبدأ مساراً موازياً خدماتياً ومؤسساتياً لمسار ميقاتي.

أمّا ريفي فيعبِّر داخل طرابلس عن حالة اعتراض حديثة، تتسِم بأنها ضد الجميع وهي تريد وراثة بصمة الاعتراض السنية التاريخية لطرابلس. وراهنت حالة ريفي على ملاقاة ما اعتقدته بوجود مسار راديكالي سعودي جديد ضد البنى السياسية السنية القائمة في لبنان، لكنّ رهانه لم يكن دقيقاً.

وبدرجة تالية ومتراجعة تأتي حالة مصباح الأحدب وريث العائلة الارستقراطية التي وجدت مقبولية شعبية في الضنية منذ ايام والده عوني الاحدب، الذي اعتاد منازلة رشيد كرامي إنتخابياً. وكان ينقل ناخبيه من بيروت الى طرابلس بواسطة اسطول «بوسطات الأحدب» التابع له. وعم مصباح الاحدب هو العميد عزيز الاحدب الذي قاد انقلاباً وحكم لبنان ليوم واحد عام 1967.

امّا الحريري فهو زعامة حديثة في طرابلس تعتمد على ثلاثة عناصر: وهج الحريرية السياسية كمشروع مركزي للزعامة السنية، ويعبّر عنها تيار «المستقبل». والثاني زعامة ابو عبد كبارة الشعبية (الوزير محمد كبارة)، وهي تفوق شعبية تيار «المستقبل». وقد بناها كبّارة العصامي اجتماعياً، من خلال خدمات يومية يؤديها بنحو مُستدام لأبناء مدينته.

وهي خدمات تمتاز بأنها ليست مؤسساتية كخدمات ميقاتي، ولكنها يومية وتتمثّل بمتابعة مراجعات المواطنين في دوائر الدولة. والثالث سمير الجسر المتزوّج من شقيقة ابو عبد كبارة، وهو تعبير عن إرث ارستقراطي اجتماعي في المدينة.

يبقى من المهم الإشارة الى أمرين:

أولاً – أنّ كل هذه الزعامات التي دخلت الى المشهد الطرابلسي راكمت الجزء الاهم من قوتها الشعبية، من خلال استحواذها على اجزاء من القاعدة الانتخابية التاريخية لآل كرامي، التي أسسها الشيخ عبد الحميد كرامي وورثها رشيد كرامي ثم وصلت الى شقيقه عمر واليوم هي بين يدي فيصل عمر كرامي الذي لم يتبق له منها سوى الربع، اي ما يساوي في حسابات القانون الانتخابي الحالي: «حاصل فوز وربع».

ثانياً ـ إنتخابات طرابلس التي يتنافس فيها الزعماء السنة الاربعة الأبرز في لبنان، تؤكد في وقائعها انتقال مركز المنافسة على لقب الزعامة السنية من بيروت الى الشمال، وذلك بالتوازي مع انتقال مركز المنافسة المارونية على لقب «فخامة الرئيس» من دوائر جبل لبنان الى دائرة الشمال الثالثة. كما انّ اهتمام «حزب الله» بالبعد السياسي لمعركة الهرمل ـ بعلبك من بين كل معاركه في دوائره الشيعية، يظهر ايضاً أنّ «مركز الثقل السياسي الناخب» عند شيعة لبنان بدأ ينتقل أيضاً من ديموغرافيا الشيعة في الجنوب الى ديموغرافيا شيعة الشمال في البقاع.

والخلاصة المهمة المُستقاة من كل هذه الوقائع تثبت أنّ «ثقل المعنى السياسي الناخب» لكل من المسيحيين والسنة والشيعة، إنتقل في مناسبة هذه الإنتخابات من جبل لبنان بالنسبة الى الموارنة، ومن بيروت بالنسبة الى السنة، ومن الجنوب بالنسبة الى الشيعة، إلى الأطراف الشمالية المسيحية والسنية والشيعية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى عشرات الصواريخ اُطلقت من لبنان باتجاه الجليل والجولان