أبعد من 'الإنجاز التاريخيّ'... العِبرة في مكانٍ آخر!

أبعد من 'الإنجاز التاريخيّ'... العِبرة في مكانٍ آخر!
أبعد من 'الإنجاز التاريخيّ'... العِبرة في مكانٍ آخر!

أخيراً، اتّخذت الحكومة قرارها المؤجَّل منذ أسابيع طويلة، وشرّعت الباب أمام التحقيق "الجنائي" المالي في مصرف لبنان، في "فصلٍ" ليس الأول، وقد لا يكون الأخير، في "الصراع" على "تقاذف كرة المسؤولية" بين الحكومة وحاكم المصرف المركزيّ رياض سلامة.

 

 وبمُعزَلٍ عن خلفيّات القرار، وما يمكن أن يفضي إليه على صعيد "الإصلاح" الذي لا يزال حبراً على ورق، فإنّ اللافت أنّه شكّل فرصة جديدة لرئيس الحكومة حسّان دياب لاستعراض ما يصنّفها "إنجازات" حقّقتها حكومته، أضيف التحقيق الجنائي على رأسها.
دياب، الذي وصف قرار حكومته بـ "التاريخيّ"، ذهب أبعد من ذلك، بالقول إنّه "حجر الأساس الذي يُبنى عليه الإصلاح"، وإنّه سيشكّل "تحوّلاً جذرياً في مسار كشف ما حصل على المستوى المالي من هدر وسرقات"...


"تعقيداتٌ" بالجمُلة...

 

 لم يأتِ قرار الحكومة الأخير حول التحقيق الجنائيّ من العدم، بل هو أتى "ثمرة" الكثير من الأخذ والردّ الذي رافق المسألة منذ انطلاق النقاش بها قبل أسابيع، والذي تجلّى في أبهى حلله من خلال "شكوى" رئيس الجمهورية ميشال عون نفسه من "المماطلة" على خطّه.
وإذا كان كثيرون يربطون هذا القرار بـ "الحرب" الدائرة بين حاكم المصرف المركزيّ ورئيس الحكومة، الذي كان من أشدّ المتحمّسين لـ "إقالته" قبل فترة، لولا اصطدامه بـ "فيتو" عرّابيه وشركائه، فإنّ "التعقيدات" المحيطة بالقرار أثارت بعض "الشكوك" على أكثر من خطّ، سياسياً وتقنيّاً، رغم ما حُكي عن "توافقٍ" أفضى إليه، نتيجة "التفاهم" الذي تمّ إبرامه أخيراً بين رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل.
وفي هذا السياق، قد يكون لافتاً ما أثاره بعض الخبراء عن "اختصاص" الشركة التي تمّ اختيارها، والتي قيل إنّها غير "مختصّة" فعلياً بالتحقيق الجنائي، بل إنّ اسمها كان معروضاً لـ "استشارة ماليّة"، علماً أنّ علامات استفهام كثيرة طُرِحت عن السبب الحقيقيّ لـ "الإطاحة" بشركاتٍ أخرى، ولا سيما "كرول"، بعدما تبيّن أنّ "ذريعة" الارتباط بإسرائيل تنطبق على كلّ الشركات، وهو ما أفضى أصلاً إلى "تحفّظ" وزراء الثنائيّ الشيعي، باستثناء وزير المال، كونه المعنيّ الأول بالموضوع.

 

العِبرة في الخواتيم...

 

 بمُعزَلٍ عن الخلفيّات والملابسات، يبقى الأكيد أنّ قرار التدقيق الماليّ والجنائيّ يفترض أن يكون إيجابياً، ولو أنّ المأمول أن يشمل التحقيق بالهدر سائر مؤسسات القطاع العام، التي تعاني ما تعانيه من فساد وهدر وسمسرات، وعلى رأسها مؤسسة كهرباء لبنان، علماً أنّ العديد من الوزراء، وبينهم وزيرة الإعلام منال عبد الصمد، طرحوا هذه الإشكالية على طاولة مجلس الوزراء، وفق المعلومات والتسريبات.
لكنّ الأكيد أنّ "الاحتفال" بالقرار، ووضعه على رأس "الإنجازات" المخفيّة، أو ربما "الوهميّة" للحكومة، كما يقول معارضوها، سابقٌ لأوانه، أولاً لأنّ "العبرة في الخواتيم"، خصوصاً أنّ اللبنانيّين سبق أن سمعوا الكثير عن "إنجازات" و"إصلاحات"، من دون أن يروا شيئاً منها على أرض الواقع، ولن يكون مُستغرَباً أن "يتبخّر" الإنجاز الجديد مع الوقت، بعد أن يكون أدّى قسطه للعُلا على مستوى "البروباغندا" المطلوبة لرفع أسهم الحكومة، بعدما هبطت إلى أدنى مستوياتها، بإقرار مؤيّديها قبل الخصوم.
فعلى خطى "التحقيق الجنائيّ"، سمع اللبنانيون في الأسابيع القليلة الماضية فقط الكثير عن "حلول سحريّة" للأزمات، كما حصل مثلاً عند "ابتداع" حلّ ضخّ الدولار في الأسواق، لخفض سعره مقارنة بالليرة، فإذا بالعكس يحصل، ويحلّق الدولار عالياً بشكلٍ "جنونيّ"، بل غير مبرَّر، علماً أنّ هناك من يخشى أن يقع التدقيق الجنائيّ الذي تتغنّى به الحكومة، "فريسة" لـ "مافيا الفساد" نفسها التي تتحكّم برقاب اللبنانيّين، من كلّ حدبٍ وصوب.

 

من حقّ الحكومة أن تسوّق لقراراتها، وما تصنّفها "إنجازاتها"، لكن من حقّ اللبنانيين عليها قبل ذلك، أن تؤجّل "الاحتفالات" على الأقلّ حتى يلمسوا النتائج على الأرض، خصوصاً بعدما تغنّى رئيسها بتحقيق 97 في المئة من "وعوده"، فيما اللبنانيون ينزلقون بثبات نحو الحضيض، وربما ما هو أبعد منه...


اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى