احباط فرنسي وانسحاب لصندوق النقد... الأزمة الى مزيد من التفاقم

احباط فرنسي وانسحاب لصندوق النقد... الأزمة الى مزيد من التفاقم
احباط فرنسي وانسحاب لصندوق النقد... الأزمة الى مزيد من التفاقم
غادر وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لو دريان بيروت أمس على وقع صرخة مدوية أطلقها في وجه الطبقة السياسية الحاكمة، عن بلد ينهار ومسؤولوه لا يقدمون ولا يؤخرون على طريق الإنقاذ. في وقت، بدأ الوضع المتعلق بتفشي فايروس كورونا يخرج عن اطار السيطرة مع استمرار الارتفاع في الاعداد وعودة الدولة الى فرض الاقفال في بعض القطاعات، على وقع صرخة اقتصادية كبيرة خوفاً من الانهيار الكامل، وخوف من حرب قد تندلع مع اسرائيل اذا ما قررت الرد على اي هجوم محتمل من حزب الله رداً على مقتل أحد عناصره في سوريا.
لودريان غادر محبطاً
لاحظت مصادر سياسية بارزة ان التحذير الفرنسي، جاء على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، إذ قال أمس للصحافيين، قبل سفره: "هذا البلد بات على "حافة الهاوية في حال لم تسارع السلطات إلى اتخاذ إجراءات لانقاذه".

وأضاف: "الجميع يعرف المسار الذي يجب اتخاذه، وهناك وسائل للإنعاش. وفرنسا جاهزة لمرافقتهم بشرط أن تتخذ السلطات السياسية القرارات" للسير في طريق الإصلاحات. وأكد "هذه طلبات فرنسا، واعتقد أنها سُمعت".

 بدوره، أفاد مسؤول فرنسي رفيع طلب عدم الكشف عن هويته ان بلاده لن تُقدم على أي إلتزام مالي ما لم يتم تطبيق إصلاحات محذرا من أنه لا يمكن الحصول على شيء من المجتمع الدولي في غياب الثقة. وقال "بدأ يفوت الأوان".
وفي الغضون، أفاد مصدر رفيع المستوى شارك في محادثات وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان في قصر بعبدا أنه "لمس في سياق مقاربة الوضع اللبناني خلال هذه المحادثات عدم ممانعة فرنسية في اعتماد أي خطوة نوعية بين الأفرقاء السياسيين من شأنها أن تؤدي إلى تسريع وضع إصلاحات "سيدر" موضع التنفيذ"، كاشفاً لـ"نداء الوطن" عن وجود "حراك سياسي مكتوم يجري بعيداً عن الأضواء وفي مختلف الاتجاهات لبلورة تفاهم مرحلي يؤدي إلى تحييد الخلافات الأساسية بأبعادها الإقليمية والدولية، والتركيز على سبل الخروج من الأزمة الوطنية الكبرى التي باتت تشكل تهديداً وجودياً للكيان جراء الانهيار المالي والنقدي والضائقة المعيشية التي ستبلغ ذروتها مطلع أيلول مع بدء استحقاق العام الدراسي الجديد".

وإذ أشار إلى أنّ آب سيكون "شهراً مفصلياً" ربطاً بعدة استحقاقات مرتقبة فيه، سواءً تلك المتصلة بالخطط المالية والإنقاذية أو تلك المتعلقة بالمحكمة الخاصة بلبنان والنطق بحكمها في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، دعا المصدر إلى "ترقب المواقف السياسية في الفترة الفاصلة عن موعد السابع من آب (موعد صدور الحكم)، ومنها خطاب رئيس الجمهورية في حفل تقليد السيوف للتلامذة المتخرجين من الكلية الحربية لمناسبة عيد الجيش، والذي قد يحمل إشارات أو مبادرات في هذا الاتجاه أو ذاك".
الملف المالي
هذا في الشق السياسي، أما في الشق الاقتصادي فقد بدت تحذيرات وزير الخارجية الفرنسي في محلها تماماً لأنه غادر بيروت على وقع تصاعد التباينات والخلافات مجدداً في شأن الخطة المالية للحكومة والأرقام المالية في الاجتماعات المتعاقبة التي عقدت أول من أمس وأمس في محاولة جديدة للتوافق بين الجهات الرسمية والمصرفية والمالية على هذه الأرقام. وبحسب "النهار" تصاعد الخلاف بقوة خصوصاً بين الحكومة والشركة الاستشارية الدولية "لازار" من جهة وجمعية مصارف لبنان من جهة أخرى في موضوع "الهيركات" الذي يطاول الودائع والسندات، وتتخطى الحكومة و"لازار" موقف المصارف المتحفظ عنه الى حدود التلويح بوقف مشاركتها في الاجتماعات والمفاوضات.

وعقد أمس اجتماع تقني في باريس بين مستشار جمعية المصارف GSA و"لازار"، سبق اجتماعاً بين ممثلين لجمعية المصارف ووزارة المال بعد الظهر ومن ثم اجتماع ثالث عقد عصراً في السرايا برئاسة رئيس الوزراء حسن دياب وضم مندوبين عن جمعية المصارف والوزراء والمستشارين المعنيين بملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

ويبدو ان المصارف حزمت أمرها، كما تؤكد مصادرها لـ"النهار"، وهي لن تقبل بتاتا بإقتطاع أي نسبة من الودائع، وترى أن مسألة المساس بهذه الودائع هي مسألة حياة أو موت بالنسبة الى القطاع المصرفي. وأوضحت مصادرها ان هذا الموقف ليس مجرد تضامن مع المودعين لكونهم شركاء ومساهمين في المصارف فحسب، بل ينطلق من حرص شديد على القطاع، باعتبار أنه "اذا اقتطعت أي نسبة من الودائع، لن تعود هناك أي ثقة مستقبلية به، ولن تقوم قائمة له". لذا أكدت أن "هذا الموقف المتشدد هو موقف مبدئي وأخلاقي وقانوني يحميه قانون النقد والتسليف وقانون حماية الملكية الفردية وسمعة وعراقة المصارف اللبنانية. ولهذا هو موقف نهائي للمصارف التي تدرك أن الاقتصاد اللبناني قد يدفع ثمناً كبيراً نتيجة الازمة الحاضرة، لكنها تصر عليه لحماية المستقبل اللبناني عموماً والقطاع المصرفي خصوصاً الذي لا قيامة لأي اقتصاد مستقبلاً دون عودة الثقة والعافية له.
صندوق النقد يعلّق أعماله
في هذا الوقت، أصبحت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بحكم "المجمّدة والمهدّدة" وقد جرى ترحيلها إلى أيلول المقبل، بعدما كشفت مصادر مواكبة لقنوات التواصل مع الصندوق لـ"نداء الوطن" أنّه أبلغ الجانب اللبناني تعليق أعماله التفاوضية الشهر المقبل لكون شهر آب هو "شهر إجازة" بالنسبة إليه.

إذاً، الأزمة ستطول والمفاوضات مع صندوق النقد ستبقى معلقة حتى أيلول، في حين "الهوة آخذة بالاتساع أكثر فأكثر بين الحكومة والمصارف" وفق ما أكدت المصادر، مشيرةً إلى أنّ الاجتماعات المالية التي عقدت خلال الساعات الأخيرة "لم تتمكن من تقريب المسافات لا بل كرّست الجوّ المشحون بين الجانبين"، وأضافت: "بدل أن يصار إلى اغتنام فرصة تعليق المفاوضات مع الصندوق الدولي لبلورة تصوّر لبناني موّحد إزاء سبل الخروج من الأزمة الاقتصادية والنقدية في البلاد، يبدو أنّ الأطراف اللبنانية المعنية ماضية في طريق التخاصم والتجاذب حول الأرقام والمقاربات"، وهذا ما ظهر جلياً من خلال الأجواء التي طغت على سلسلة اجتماعات الأمس بين السراي الحكومي ووزارة المال، وصولاً إلى باريس حيث عقد اجتماع تقني بين استشاريي المصارف وآخرين من شركة لازارد.

إذ نقلت مصادر مشاركة في هذه الاجتماعات لـ"نداء الوطن" أنّ "الإشكال لا يزال على حاله" بين فريق الحكومة والاستشاري لازارد من جهة، وبين جمعية المصارف من جهة أخرى، لافتةً إلى أنّ "تغيّب رئيس الجمعية سليم صفير عن الاجتماع الذي عقد مساءً في السراي بحضور الوزراء المعنيين والمستشارين وممثلي المصارف، فُهم منه رسالة تلويح بإمكانية تجميد المشاركة المصرفية في الاجتماعات الوزارية في حال استمر الفريق الحكومي على نهج التشبث بالرأي مقابل تهميش تصوّر جمعية المصارف للحلول"، وأكدت المصادر في هذا الإطار أنّ "المواقف لا تزال للأسف متباعدة بين الجانبين والعمل متواصل لتقريب المسافات غير أنّ الاجتماع الذي عقد (أمس) في وزارة المالية لم يستطع الخروج بنتائج بناءة، خصوصاً في ظل إصرار المصارف على رفضها المطلق اعتماد مبدأ "الهيركات" واعتبارها أنّ الحكومة إنما تريد من خلال ورقتها المالية تحميل مسؤولية فساد الدولة وهدرها إلى المصارف والمودعين".

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى