لا تزال الأجواء في بيروت متوتّرة، وقد زاد من الأمور سوءا تلك الممارسات الاستفزازية المتمثلة بالاعتصامات التصعيدية ومظاهر الشغب التي ينفّذها البعض من مناصري "حركة امل" في شوارع العاصمة، والتي كان آخرها الإشكال الذي وقع في بلدة "الحدث" ليل امس، إضافةً الى أنّ اللافتات في الطرقات ومواكب الدراجات وأعلام الأحزاب والهتافات النابية وإطلاق بعض العيارات النارية من قِبل فريقي "امل" و"التيار الوطني الحر" كلّها مشاهدٌ تعكس نفوس الأحزاب المشحونة والتي تنذر بلا شك بخطر كبير.
وقد تأثر المزاج اللبناني العام بأحداث الأيام الماضية نتيجة للتحريض المستمر بين تصريح وآخر، وتساءل البعض: "كيف يمكن للانتخابات النيابية أن تحصل في ظلّ هذه الأجواء المشحونة"؟ وعلى رغم الدعوات المستمرة للتحلي بالوعي ورفض اي انقسام طائفي والتشديد على وحدة اللبنانيين حمايةً لأمن الوطن واستقراره، والتي وردت في بيان رئيس الجمهورية الأخير، فإن التفلّت الأمني بات سيّد الموقف!
وفي مراقبة للأحداث الحاصلة، يبدو واضحاً ان لبنان سيواجه عاصفة سياسية قاسية في المرحلة المقبلة. فالوضع المأزوم بين "حركة أمل" و"التيار الوطني الحرّ" يتفاقم يوماً بعد يوم والمناكفات السياسية قد تبلغ ذروتها خلال الأيام المقبلة، وعلى رغم المساعي التي تبذلها جميع الأطراف للتهدئة فإن استمرار التحركات الاحتجاجية لأنصار "امل" يقطع الطريق على المبادرات ودعوات الوزراء لوزير الخارجية جبران باسيل بضرورة الاعتذار عما صدر منه في مجالس اعتبرها الأخير خاصة، في حين أن اللقاء الذي هاجم فيه رئيس "التيار الوطني الحر" دولة الرئيس نبيه بري كان مفتوحاً وضمّ جموعاً من الناس في منطقة البترون.
من جهتها، فإن محطّة الـ OTV، التابعة لـ"التيار" لم تفوّت فرصة واحدة من دون الهجوم على الرئيس برّي، والتي اتسمت نشرتها الاخبارية في الأيام الماضية بالحدّة عبر كيل الاتهامات له بتهديد السلم الأهلي، والتي قابلها أيضاً هجوم مضاد من محطة الـ NBN.
من جهته فقد رأى عضو كتلة التغيير والاصلاح النائب ألان عون أنه "لا يجوز لزمرة متهورين أن تهدد بفرط كل ما بني من تفاهمات بين البيئتين خلال 12 عاما"، معتبرا أن "ما جرى في بلدة الحدث الليلة مؤشّر خطير ليس فقط في شكله بل خاصة في مضمونه".
سلسلة من التحديات السياسية تخيّم على اجواء لبنان، ترافقها أزمة تظاهرات عنيفة وغير مسؤولة تضرب جذور استقراره، أما ضجيج المواقف الرسمية الأقرب الى الكيدية وتصفية الحسابات عبر المنابر الاعلامية تجعل المشهد الانتخابي ضبابيّاً وخصوصاً لدى اللبنانيين الذين باتوا يرونه حقاً عصيّ المنال. فهل تثبت الأيام أن كل ما يجري حالياً هو مجرّد "عصي بالدواليب" للتفلّت من اجراء الانتخابات في موعدها؟ هذا ما يرجّحه غالبية اللبنانيين الذين فقدوا الأمل بلبنان الذي بات بحاجة الى معجزة الهية تعيد ترميم احلامهم!